مساء اليوم تُختتم الدورة الأولى لمهرجان أبو ظبى الدولى الأول لأفلام البيئة، ومع كل مهرجان خليجى يتردد السؤال ذاته وعلى طريقة تلك المعضلة التى توارثتها البشرية «البيضة أم الفرخة» أقصد الفيلم أم المهرجان، هل الأجدى أن تتوجه رؤوس الأموال إلى صناعة أفلام سينمائية أم تتبدد فى إقامة مهرجان سينمائى تنتهى فاعلياته بعد بضعة أيام وينتهى أيضا تأثيره، أليس من الأجدى أن تُصنع أفلاما أولا وبعد ذلك تقام مهرجانات تشارك فيها سينما البلد المضيف صاحب الأرض. تحول هذا السؤال إلى «راكور» ثابت لا يتغير فى كل مهرجان خليجى، إلا أننا فى السنوات الأخيرة وجدنا أمامنا زاوية رؤية أخرى مختلفة، ربما تحمل ردا عمليا على السؤال، إنها تلك الأفلام التى ترى فيها مثلا مهرجانات مثل «أبو ظبى» و«دبى» و«الدوحة» مشاركة فى دعمها أدبيا وماديا.. بالطبع فإن تقديم الأفلام هو الهدف الأسمى الذى ينبغى أن تسعى إليه كل الدول، إلا أننا لسنا فى مجال اختيار بين فيلم ومهرجان، ولكن ما الذى يضمن أن ميزانية المهرجان سوف تتوجه بالضرورة إلى إنتاج فيلم سينمائى؟ الحقيقية هى أن المهرجانات أنجبت مهرجانات قبل أن تنجب أفلاما، وآخر المهرجانات التى وجدت على الخريطة هو «البيئة» وأولها هو «دبى» الذى يحتفل شهر ديسمبر القادم بمرور عشر سنوات على انطلاقه، حيث بدأت أولى دوراته فى 2004، وخلال هذا العقد من الزمان شاهدنا مردودا سينمائيا خليجيا وآخرها الفيلم السعودى «وجدة» لهيفاء المنصور الذى حصد مؤخرا جائزة مهرجان الخليج الذهبية والذى انتهى فى الأسبوع الماضى، وكان قبلها ببضعة أشهر قد نال أيضا جائزة المُهر الذهبى فى مهرجان «دب»». هذه المهرجانات بدأت تتسابق فى دعم الأفلام العالمية مثل فيلم الافتتاح فى مهرجان البيئة «الأرض الموعودة» الذى لعب بطولته مات ديمون، وتعددت الأفلام العالمية التى يشارك العرب فى إنتاجها مثل «مهمة مستحيلة» و«لعبة عادلة» وقبلها فيلم للمخرج العالمى ريدلى سكوت وهو «مملكة الجنة»، حيث لعب دور صلاح الدين الأيوبى الفنان السورى غسان مسعود. كما أن أغلب الأفلام العربية الجادة التى أُنتجت فى السنوات الأخيرة سوف تكتشف أنها لا تخلو من مساهمات مالية لشركات تتبع هذه المهرجانات.
منصة انطلاق مهرجانات الخليج المؤكد أنها انتعشت مع بداية مهرجان دبى السينمائى الدولى الذى يتوجه أساسا إلى السينما العربية، حيث حقق حالة من النجاح بتواصله وهو ما دفع «أبو ظبى» إلى إقامة مهرجان بتوجه آخر بعد ثلاث دورات من دبى 2007 ثم مهرجان الدوحة الذى انطلق بعد عامين من أبو ظبى 2009، وكانت مثلا مملكة البحرين قبل 14 عاما هى التى بدأت الخطوة الأولى من خلال جمعية سينمائية يرأسها المخرج البحرينى بسام الزوادى، لكنها تعثرت، بينما يتواصل رغم كل الصعوبات التى تواجهه مهرجان «مسقط» السينمائى الذى يعقد بميزانية محدودة وفاعليات أيضا محدودة مرة كل عامين إلا أنه -وهذا يحسب للجمعية السينمائية التى يرأسها خالد الدرجانى- يعقد ويحاول أن يوجد على الساحة الخليجية.
ويبقى أن المهرجانات السينمائية تخلق دائما حالة من الشغف لدى الجمهور ويستطيع المهرجان أن يخلق مناخا يساعد على إنتاج الأفلام؟! الفيلم بحاجة إلى توجه يحمل فى أعماقه بُعدين فكرى وتجارى. السينما الخليجية الناطقة باللهجة الخليجية وتتناول قضايا محلية لا يتم تسويقها إلا فى إطار السوق الخليجية، وشركات الإنتاج لا تتحمس لإنتاج الفيلم الذى يشكل بالنسبة لها مخاطر مادية، إلا أن إقامة مهرجان سينمائى بات يحمل قوة ضغط تدفع إلى إنتاج سينمائى فى مجال الفيلم الطويل، وهناك بعض الأفلام تم إنتاجها مؤخرا وصار الوجود خارج الحدود العربية أحد أهدافها، بالطبع لا يمكن الحديث عن صناعة سينمائية متكاملة، ولكن المؤكد أن حركة إنتاج الأفلام شهدت معدلات غير مسبوقة خليجيا فى السنوات العشر الأخيرة، كما أن الأفلام التسجيلية والقصيرة الخليجية تحقق ولا شك إبداعات خاصة.
يظل المهرجان السينمائى يملك بداخله قوة لكى يطرح سؤالا «أين الفيلم الخليجى الطويل»؟! وهذا السؤال أصبح بمثابة نقطة انطلاق لتقديم إجابة عملية.. إنها تلك الأفلام التى نراها فى كل المسابقات الخليجية والعربية وبدأت تتطلع أيضا لكى تنطلق عالميا فى آفاق أرحب وأبعد، سواء كان المهرجان هو الفرخة أم اعتبرته البيضة فلقد أنجب فى الحالتين أفلاما ومهرجانات وآخر العنقود هو «البيئة»!!