ربما لم تعد سلطة الإخوان بحاجة إلى مزيد من النقد والفضح، فسياساتهم وأخطاؤهم المتوالية كافية لكشف عجزهم وفشلهم.. وربما يرى البعض أن توجيه النقد للمعارضة فى تلك المرحلة يساعد حملات الإخوان ضد المعارضة ورموزها ويساهم فى إضعافها وتشويه صورتها، لكن أعتقد أن نقد المعارضة فى هذه المرحلة صار ضرورة، وهو نقد من موقع المعسكر الواحد وأقرب للنقد الذاتى الواجب، وأقصد تحديدا بالمعارضة المنتمين منها للثورة، من كانوا قبل الثورة فى مواجهة سلطة مبارك بوضوح لا من كانوا جزءا من نظامه أو معارضة ديكورية له ومن استمروا خلالها متمسكين بمطالبها لا من هرولوا إلى صفقات عمر سليمان ومن واصلوا بعدها مواجهة وكشف المجلس العسكرى وسياساته المضادة للثورة ومن استمروا حتى اليوم فى مواجهة سلطة مرسى وإخوانه لا عداء لهم ولا سعيا لإقصائهم وإنما رفضا لمواقفهم وسياساتهم واستبدادهم.
الآن، وبعد أن صار جليا واضحا فشل وعجز سلطة الإخوان، بل وخطورة استمرارهم فى السلطة على تماسك المجتمع وبقاء الدولة بل وأمنها القومى، يصبح دور المعارضة هنا أكثر أهمية وحيوية وتصبح مسؤوليتها أكبر عن أداء دورها لأنهاء الأزمة التى يمر بها الوطن وثورته، والدور المقصود هنا ليس كشف أو فضح سلطة الإخوان وسياساتهم، بل المواجهة المباشرة معها ورسم خريطة الطريق لإسقاط تلك السلطة شعبيا والعمل على تحقيق ذلك لا مجرد انتظاره أو تمنيه.
الفارق هنا جوهرى ومؤثر، بدءا من الخطاب وأساليب العمل وقضايا الحركة وغيرها، فمعارضة تمارس دورها ضد سلطة قد يمكن تعديل سياساتها أو تصحيح أخطائها أو السعى للشراكة معها فى مؤسسات الدولة، عليها أن تسلك طريق بناء التنظيمات وتقديم البدائل وخوض الانتخابات وغيرها من السبل الديمقراطية التقليدية، أما معارضة تسعى لاستكمال ثورة اختطفت ويتم إجهاضها بوضوح فى مواجهة سلطة تستبد وتهيمن وتقسم المجتمع وتزرع فيه بذور العنف والفوضى، عليها أن تسلك سبلا أكثر جذرية وتضع خططا واضحة لتعبئة جماهيرية لإنهاء بقاء هذه السلطة فى موقعها.
السؤال الأول إذن هنا حول (إرادة) المعارضة المنتمية للثورة والمعبرة عنها، والذى لا بد أن تكون إجابته محسومة قبل أن نتساءل حول (قدرتها) على تحقيق أهدافها.. وأغلب الظن أن أحد الأسباب الرئيسية لما يبدو من ضعف المعارضة – فضلا عن أسباب أخرى متعددة سنتعرض لها – هو عدم حسمها للخيار الذى تسعى له وبناء عليه الطريق الذى تسلكه، وهو ما سبب على مدار الشهور الماضية ما بدا فى كثير من الأحيان من تردد للمعارضة فى مواقفها، ثم إنه أحد عوامل إحساس قطاعات تتسع وتتزايد من المصريين بضعف الثقة فى تلك المعارضة وأنها ليست قادرة على مواجهة سلطة الإخوان وبالتالى فإنها أيضا لن تكون قادرة على أن تمثل بديل لهم.
المصريون الآن فى قطاعات واسعة ومؤثرة منهم وتتزايد يوما بعد الآخر يبدو أنهم حسموا إجابتهم عن سؤال (الإرادة) أو على الأقل (الرغبة) فيما يخص استمرار سلطة الإخوان، لكنهم يحتاجون لإجابات جادة حول (الطريق) و(البديل)، وهذا تحديدا ما يدفعنا للقول بأن على المعارضة أن تحسم إجابتها على السؤال الأول، لأن مسؤوليتها الحقيقية هى المبادرة للإجابة عمليا وحركيا على الأسئلة التالية الأصعب للمصريين، قبل أن تترك الساحة خالية لقوى أخرى تستفيد من انهيار شعبية الإخوان وفشلهم، ومن عجز المعارضة عن المبادرة لأداء دورها، فيقدمون هم الطرق والبدائل على طريقتهم للشعب الذى قد لا يجد أمامه سوى القبول بها إذا غابت عنه اختيارات أخرى، خاصة أنه لن يستطيع الصبر طويلا على استمرار الأوضاع الراهنة.