في هذا الفصل السابع والأخير من « كتاب مرسي » نلملم أطلال تعهدات محمد المرسي التي قطعها على نفسه ولم يحقق منها أي شيء.
تعهدات مرسى ولم تكن فقط عقب توليه رئاسة الجمهورية ولكن كثيرا أثناء ترشحه للحكم فى البرامج التليفزيونية ولقاءاته بمختلف الجولات الانتخابية بعدد من المؤتمرات الشعبية واللقاءات التليفزيونية في الفترة ما بين الجولة الأولى للإنتخابات وجولة الإعادة.
شهدت تلك الفترة تدفقًا كبيرًا في التعهدات والوعود من كلا المرشحين لانتخابات الرئاسة في مصر بما يضمن للمواطنين عيش حياة كريمة يسودها جو من الديمقراطية الخلاقة التي تبني مجتمعًا جديدًا يتمتع كل أطيافه بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ليصبح في النهاية نموذجًا يحتذى به في الرقي والتقدم في شتى المجالات، وعكف كل منهما على تمنية أبناء شعبه بحياة أشبه ما تكون بالجنة وبلاد أشبه ما تكون بالمدينة الفاضلة، وحاول كل منهما تصوير نفسه بالمنقذ الذي سيجنب أبناء شعبه ويلات الماضي ومعاناته وتصوير الآخر وكأنه شيطان مارد سيعصف بأبناء شعبه إلى أسفل السافلين.
تعهد محمد مرسي خلال تلك الفترة بتنفيذ عدد من المطالب كي ينال دعم معظم القوى الثورية الغير إسلامية في جولة الإعادة أمام المرشح الأخر الذي ينتمي لفكر وعقيدة نظام مبارك الذي قامت عليه الثورة، وهذا ما حدث بالفعل وحصل على دعم الجميع ونجح بفضلهم في الوصول إلى كرسي الحكم.
فور أن تربع على عرش مصر تنصل من كل هذه الوعود و أنكر العهود التي قطعها على نفسه، ولم يحقق منها على مدار عشرة أشهر أي شيء بل هدم الجيد وزاد السيء سوء وحاول جاهداً سحب مكتسبات الثورة من الحرية والكرامه من تحت قدمي الشعب.
- فعندما دهس مرسي الدستور والقانون بالإعلن الدستوري الذي أصدره في نوفمبر الماضي، خرج ملايين المصريين في ميدادين مصر مستخدين حقهم في حرية التظاهر ويطالبون بإسقاط مرسى وتنحيه عن الحكم، كان رد مرسى على ذلك، على غرار مبارك، « خليهم يتسلوا » حيث قال فى مؤتمر أمام مؤيديه فى قصر الاتحادية أنه أصدر الإعلان الدستورى لتحقيق أهداف الثورة، وهدد معارضيه وطالبهم باتباعه فى قراراته أيا كانت طبيعتها.. فلم ينصت لهؤلاء حتى قرروا أن يتظاهروا أمام قصره في سلمية تامة، ثم فاجأ مرسي الجميع باستدعاء أنصاره ليفضوا الإعتصام الذي كان على أرصفة قصر الإتحادية واستعملوا أبشع وأقذر الوسائل من حرق الخيام وضرب وسحل السيدات وقتل النشطاء والصحفيين، حتى وصل الأمر إلى إحتجاز بعض المعتصمين من قبل أنصاره داخل بوابات القصر وتعذيبهم ثم بعد ذلك قاموا بتسليمهم للنيابة العامة مربوطي الأيدي والأرجل من خلاف.. ثم خرج مرسي على الشاشات يهدد الجميع بالمصير الذي سيلاحقهم إذا استمروا في معارضته.
- كان المصريون يحلمون بحكومة من الكفاءات تنقذ مصر من الهاوية المتجهة إليها عندما أعلن الرئيس التشكيل الوزارى فوجئنا بأنه اختار شخصية غير معروفة لأحد حتى أقرب الناس إلى الرئيس لم يكن يعرفه، وفيما يبدو أن « هشام قنديل » وزير الري في عهد حكومة الجنزوري ليس من إختيار محمد مرسي بل فرض عليه كما يفرض عليه دائماً وفيما يبدوا أيضاً أنه قدم قرابين الولاء والطاعة لـ « خيرت الشاطر » وبالتالي أجبر مرسي مرة على قبوله ومرة أخرى على إستمراره حتى الأن رغم الفشل الزريع له ولحكومته التي تدفع الوطن بقوة للسقوط في الهاوية، هذه الحكومة التي لا ترضي أحداً لا من الشعب البسيط ولا من المعارضة الفاعلة ولا حتى من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين يلقوا اللوم دائماً على الحكومة، حكومة فشلت في رغيف العيش والسولار والبنزين والنظافة والأمن، ومع ذلك مستمرة في موقعها وربما لا يعرف محمد مرسي نفسه لماذا يصر خيرت الشاطر على إستمرارها، ولكن السبب معروف ومفهوم لمن يتدبر جيداً في الأمر، فهذه حكومة تزوير الإنتخابات البرلمانية القادمة.
- إستطاع محمد مرسي أن يمنع المصريون من دستورٍ كانوا يحلمون به.. دستور يحتفظ على مكتسبات الثورة من حرية وكرامة وعدالة إجتماعية، فبعد أن قطع على نفسه عهداً بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسة التي لا تمثل المصريين في شيء، حصنها وتركها تكمل عملها حتى خرج من رحم هذه الجمعية المريضة دستور أقل ما يقال عنه أنه دستور مشوه لا يمكن أن يعيش فترة طويلة إلى إذا سيطرت الجماعة على حكم مصر إلى الأبد.. دستور ما هو إلا نقطة على منحنى انطلق من نقطة فاسدة ضللت أمة عن سواء السبيل فى بناء مصر جديدة بعد إزاحة طاغوت عصابة حكم الاستبداد والفساد الساقط، فبدلا من المسير على درب الصواب الذى اتبعته أمم توافقت مع ضمائرها وصدق تطلعات بنيها، تواطأ من تواطأ وقايض من قايض لاختلاق متاهة عجيبة حرمتنا من دستور توافقى جديد، تُجرى على هديه انتخابات ديمقراطية صحيحة، يصعد منها برلمان سوى وقوى، ونختار بها رئيساً بديلاً عن هذا الذي ينحدر بنا إلى مباذل الفرعنة.
- لقد كان من المتوقع ان يواجه محمد مرسي وتيار الإخوان عموماً بعد فوزهم بالمقعد الكبير معارك وامتحانات صعبة وبعضها قد يكون مفتعلاً، لكن فيما يتعلق بحرية الرأي التعبير، فإن الأمر لا يتعلق بالمكايدة السياسية والرد على الخصوم أو البناء على الوضع الراهن بكل ما فيه بقدر ما يتعلق بإحدى الأسس التي لا غنى عنها لبناء مجتمع ديمقراطي حقيقي انتفض المصريون وقدموا تضحيات غالية من أجله.. كان الإمتحان أمام مرسي وجماعته صعب في أن تصبح حرية التعبير حقيقة راسخة في المجتمع المصري، حيث لن يكون بإمكان أي مصري ان يلمس الفارق بين العهد السابق وعهد أول حكومة جاءت بها الثورة. الدولة المدنية لا تعني أن يكون الرئيس مدنياً فحسب، بل تعني أساساً دولة ديمقراطية قائمة على الحريات الفكرية والسياسية والاجتماعية المكفولة للجميع، وقد فشل محمد مرسي ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين في هذا الإمتحان بامتياز، فلم يضعوا نصب أعينهم ان المهمة هي "المستقبل" وليس "الراهن". بعبارة أخرى، بناء أسس دولة ديمقراطية فاعلة ومحصنة ضد كل عناصر التأزيم وليس بناء الدولة التي يريدها تيار الإخوان، وأحد أهم الأسس لهذه الدولة هو حرية التعبير، واستخدم النائب العام وسيلة للخرس الألسنة وملاحقة الصحفيين والإعلاميين.
- فاجأ مرسي الجميع فور أن إستقر محمد مرسي على الكرسي وبعد أن صرح مراراً باستقلال القضاء واحترام أحكامه.. بإصدر قرار بعودة مجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية العليا ضارباً بالحكم عرض الحائط، وبعدها أصدر إعلاناً دستورياً حصن به قراراته من التقاضي ضدها ووضع القانون تحت قدميه، ثم ضرب إستقلال القضاء في مقتل وعيّن "نائباً عاماً" جديداً يخدم أهدافه وأهداف جماعته، ولم يلتفت يوماً لكل النداءات من كل الجهات، التي طالبته بالتراجع عن هذه الخطوة، وتفويض جهة أخرى كالمجلس الأعلى للقضاء بإختيار نائباً عاماً يُراعى في إختياره وتاريخه الوظيفي وشخصيته أن يكون مستقلاً، مُدافعاً عن الشعب وحقوقه، وأن يُراقب هذه الإختيار ويُتابع من كل فئات الشعب المصري، لا أن يكون هذا المنصب أداة ً في يد السلطة تحركها كما شاءت، ثم جعل جماعته تخترق القضاء بتنظيم سياسي لا يجد حرجاً في الإعلان عن نفسه، يُسمى قضاة من أجل مصر، أو بالأحرى "قضاة من أجل الإخوان".. ولا نعرف إلى أى مدى من التفكك والإضمحلال ستصل المنظومة القضائية إذا ما صارت حقلاً للصراعات السياسية، وذلك ليس حجراً على تعبير القاضي عن آرائه السياسية أو ذلك، لكنه صيانة ً وحماية لثقة المواطنين في أجهزة الدولة، وهى تتلاشى بإستمرار.
- أما بالنسبة لإعادة المحاكمات التي قطعها على نفسه فكان من الممكن إن كان محمد مرسي صادقاً مع نفسه ومع الناس ومع الله في هذا العهد الذي قطعه على نفسه وبعد أن تسلم سلطة التشريع من المجلس العسكري آن ذاك، فكان بوسعه إصدار قانون بتشكيل محكمة خاصه بجرائم الثورة ولا أقصد بهذا محكمة ثورية على غرار المحاكم الثورية الغير عادلة، ولكن محكمة خاصة بمثل هذه الجرائم كما هو موجود في بعض الدول الأوروبية على غرار المحكمة الجنائية الدولية، وللمتهم الحق في الدفاع الكامل عن نفسه ولكن تشكيل المحكمة يكون مختلف تماماً عن تشكيل محاكم الجنايات وعقيدة المحكمة تكون مختلفه، حيث أن الأصل في محاكم الجنايات هي برائة المتهم ثم الإقتناع بأدلة الإدانة، أما الأصل في تلك المحاكم هي إدانة المتهم كونة مسؤول عن كل أجهزة السلطة التنفيذية وعلى رأسها جهاز الشرطة ثم يحاول إقناع المحكمة بأدلة براءته إن وجدت .. لكن محمد مرسي لم يكن صادق الوعد وخالص النية فعلاً في إعادة المحاكمات بطريقة عادلة أو غير عادلة لهؤلاء، لكن الحقيقة وكما تبدوا واضحة أمام الجميع أن محمد مرسي وجماعته يخشون من نفس المصير الذي سيواجه مبارك في حال إنشاء هذه المحكمة، حيث أن محمد مرسي وجماعته لم يتخيروا عن مبارك وصحبته في شيء، حيث أن كل الجرائم التي إرتكبها مبارك ومن بعده المجلس العسكري قد إرتكب محمد مرسي أبشع منها.. إرتكبها في محمد محمود حينما قتل ضباته "چيكا" وأمام بوابة قصره حينما إستدعى مليشيات جماعته لقتل لضرب وسحل وتعذيب المعتصمين ضد الفجور الدستوري الذي إرتكبه، ثم أم الجرائم الذي إرتكبها في بور سعيد بقتل ٤٠ مواطناً مصرياً في أقل من ساعتين، ومازال مسلسل جرائمه مستمرة حلقاته حتى اليوم.
" إلى هنا قد إنتهينا من كتاب مرسي الذي حتماً سيقف يومًا أمامه كي يقرأه أو يقرأ عليه وهو خلف القضبان ولن يستطيع أن ينكرها جميعاً كما فعل سالفه.. والحقيقة أن محمد مرسي هو الذي ظلم نفسه وظلم الناس معه بعدما فتح الباب على مصراعيه وترك جماعته تتدخل وتدير وتدبر وتتخذ القرارات في كل شيء وهو ليس سوى صدى صوت لهذه الجماعة داخل مؤسسة الرئاسة "