هل الدين ملكية فرد أو مؤسسة أو جماعة؟
منذ ظهر الإخوان والتيار الإسلامى فى الحكم بعد ثورة 25 يناير -إن كانت ثورة فعلًا- تحولت اللجان الإلكترونية «الإخوانية الشاطرية» إلى بث ونشر كلام مجتزأ من السياق قاله أو كتبه إبراهيم عيسى عن الشعراوى.
ويبدأ بعدها الأتباع بالانتقاد والشتائم والتكفير، وغيرها من تهم حراس الإسلام الجدد فى مصر.. لذا قررنا فى «التحرير» العودة إلى ما كتبه إبراهيم عيسى من عشرين عامًا عن الشيخ الشعراوى لكى نراجع ما كتبه وتراجعوه أنتم أيضا لنكتشف معا حقيقة كلام اللجان الإخوانية.
قال الشعراوى بالنص الحرفى:
- السبب أن الدين ليس له صاحب، فهل نجد أحدا يفتى فى نظام الحكم؟ فى الدين تجد كل مَن فكر، وكل مَن درس له توجيه، وأنا أمير وأنت أمير، وليس أحد أحسن من الآخر، أما إذا كان للدين صاحب وأمير واحد وإمام نتفق عليه فلا يستطيع أحد أن يتكلم.
تأملوا إجابة الرجل.. ثم تأملوا تعليقنا.
1- كيف للشعراوى أن يقول إن الدين ليس له صاحب، هل الدين أصلا ملكية فرد أو مؤسسة أو جماعة؟ ماذا إذن عن الكلام اليومى المعاد عن أنه لا كهنوت فى الإسلام؟! ولا أفهم ماذا يعنى بصاحب الدين؟! هل هو صاحب ترخيص الدين؟! أو مانح صكوكه؟ ما علينا.
2- من الواضح للأعمى وللبصير وللأعور أيضا أن الشعراوى لا يعترف بشيخ الأزهر ولا بمفتى الديار المصرية. فالرجل ينفى أن هناك أميرا واحدا، وإماما نتفق عليه، ألم يصل إليه خبر بأننا نتفق على الشيخ طنطاوى، وأن حكومتنا -التى تتملقنا- اختارت الشيخ جاد الحق إماما للأزهر؟ الذين لا يتفقون على هذين فقط هم الجماعات المتطرفة، لكن الشعراوى يضيف اليوم نفسه معهم، وبدلا من أن يدعو الناس فُرادى وجماعات إلى الاستماع إلى رجل واحد ومفتٍ واحد وإمام واحد يعترف بأن الدين ليس له صاحب ويتغافل ويتجاهل تماما الأزهر والمفتى. من حق المتطرفين إذن قبل هذا الكلام وبعده أن يفعلوا أى شىء وسيعذرهم البعض.
3- يعود الشعراوى إلى قول جملتين لا تقلّان خطورة:
الأولى: إنه سيأتى أناس مصابون «بإسهال» الفتاوى، حيث يُفتون فى كل شىء.
الثانية: أن فتوى الدين جاهزة، وليست تفصيلا، إنها كالملابس الجاهزة تماما وأنت تختار الذى يناسبك.
وقد خان هذا التعبير تماما اللغوى الفَذّ متولى الشعراوى، فها هو يصف الفتاوى وأصحابها بالإسهال، وطبعا أنتم ونحن وهو نعرف ماذا فى الإسهال!
ويصف الفتاوى كذلك -بالملابس الجاهزة- وهو تشبيه جد غير لبق.. ولا موفَّق.. وربما مهين كذلك.
4- لكن دعونا من التشبيهات واللغة «وهى قضية الشعراوى المفضلة والأثيرة» ونسأل ما هذا التناقض؟ هل الشعراوى مع فتح باب الفتاوى أم مع إغلاقه؟ هل يؤيد اختيار الملابس أو الفتاوى الجاهزة؟! أم لا يسمح ببيعها فى الأسواق؟
5- على العموم.. بعد أن أعلن الشعراوى عدم اتفاقنا على إمام وأمير فتوى واحد.. فيحق له أن يفعل ويقول ويضيف ما يشاء.
ويبقى فقط من عشرات الملاحظات على الشعراوى وكلامه وأحاديثه، هذا الموقف الغريب الذى يلحّ عليه الشعراوى ويمعن فيه دومًا، الموقف ضد المسيحيين والمسيحية، وهو موقف خفىّ ومستتر، لكنه ليس كذلك على المتأمل الفاحص، وها هو فى الحديث الأخير يقول بالحرف الواحد «فالمسملون تخلّفوا حينما ابتعدوا عن الإسلام بينما الأوروبيون حين تمردوا على الكنيسة عزلوها، فالعيب إذن فى المسلمين وليس فى الإسلام، وانظر إلى من يعتنق الإسلام من الأوروبيين، فسوف تجد أنهم المفكرون والعلماء فحيث يُعمِل الإنسان عقله وفكره لن يجد دينًا إلا الإسلام».
والحقيقة أننا لن نتكلم عن تلميحات الرجل الواضحة، لكننا سنتكلم عن ألفاظه وعباراته المباشرة، فقط، فالرجل لم يقل لنا عندما تمرد الأوروبيون على الكنيسة وعزلوها وتقدموا، ماذا فعلوا؟ إنهم فى نفس التوقيت الذى يتقدمون فيه يرتدون الملابس التى لا تعجب الشعراوى وتنتشر بينهم ظواهر لا دينية، بمعنى أن الدينين الإسلامى والمسيحى لا يرتضياها على السواء، وتسيطر عليهم أفكار وأمور ورؤى يبذل الشعراوى جهدا كى يفندها للبسطاء، فهل المطلوب إذن عزل الكنيسة وعزل الأخلاق والقيم من أجل التقدم؟ نحن فقط نريد أن نعرف لا أن نستنكر؟ ثم مَن قال إن الكنيسة معزولة الآن فى أوروبا؟ ما رأيه فى الفاتيكان وتأثيره؟ وما رأيه فى الصراع على مزيد من تحرر المرأة فى الكنيسة الإنجليزية؟
الدين لم يُعزل فى أوروبا.. بل إن رجال الدين هم الذين عُزلوا ولذلك -فقط- تقدمت أوروبا، أما عن قول الشعراوى إن العلماء والمفكرين فى الغرب يدخلون الإسلام، فهو قول سليم وصحيح مئة فى المئة.. «إذا أردنا استخدام نسب الشيخ الشعراوى، لكن أيضا يعتنق الإسلام فى أوروبا وأمريكا كثيرٌ جدا من الزنوج والفقراء والبسطاء والهامشيين والراقصين والراقصات».