ليس فقط الاعتداء الهمجى على البيئة هو الخطر الأكبر الذى يحدق بالعالم، ولكن الاعتداء السافر على الفكر الإنسانى من خلال اختراق حقوق الملكية الفكرية ماديا وأدبيا للمبدعين هو أحد أهم المخاطر التى تواجه العالم، خصوصا مع تلك القفزة التى حققتها أجهزة ومواقع التواصل الاجتماعى، وعندما نكتشف على سبيل المثال أن الإنتاج الغنائى فى العالم العربى تضاءل بنسبة تتجاوز 70% فى الأعوام الثلاثة الأخيرة تدرك أنه مع الزمن ستتوقف صناعة الغناء تماما، ولهذا اتجه أغلب المطربين إلى تقديم البرامج، السرقات من هذا القبيل صارت لا تثير الاندهاش مثلما نرى الأفلام المصرية الحديثة تباع على الرصيف المواجه لدار العرض بجنيه واحد.
حق الملكية هو الذى يحمى المبدع، حتى ولو كان فى معناه المباشر يحقق مكاسب مادية لمنتج المصنف الفنى، فإن تلك الحماية فى نهاية الأمر تتيح له أن يسدد أجور المبدعين، أبسط حقوق الإنسان هى التمتع بما يبدعه ويبتكره سواء كان ماديا أو أدبيا، وفى ما ينتجه من أفكار أو مبتكرات جديدة قابلة للتطبيق والانتفاع واستغلالها فى تطوير الحياة ولضمان استفادة صاحبها بالعائد المادى منها، ومنع الغير من استخدامها دون ترخيص. الفكر والطبيعة يتوقان إلى الحماية، كان هو عنوان المحاضرة التى ألقاها د.طلال أبو غزالة المتخصص فى قوانين الحماية الفكرية ضمن أحداث المهرجان السينمائى لأفلام البيئة.
تناولت كلمة أبو غزالة الأفلام، لأنها تحتوى على عديد من العناصر محل حماية الملكية الفكرية وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة مثل الأداء التمثيلى، سيناريو الفيلم، الموسيقى التصويرية، التسجيلات الصوتية وغيرها.
المعروف أن السينما واحدة من أهم مصادر الدخل فى العالم، ومصر تحديدا، قبل أكثر من نصف قرن كانت السينما بعد القطن هى المصدر الرئيسى للدخل القومى. السينما فى العالم تصل فيها تكلفة الفيلم الواحد إلى مئات الملايين من الدولارات إنتاجا وتوزيعا، فضلا عما تدره من عوائد، فعلى سبيل المثال كانت عائدات السينما الأمريكية فى عام 2012 فقط 11 مليار دولار.
القرصنة خاصة مع التطور التكنولوجى والتقنى فى أدوات التصوير والتصفح من الإنترنت، وكل ذلك بات يسهل أمر السطو على الأفلام، وبعد أن كان تحميل فيلم من الإنترنت يستغرق يوما كاملا، أصبحت المدة تنحصر فى دقائق معدودة، وبعد أن كانت الكاميرات كبيرة الحجم من الصعب إخفاؤها، أصبحت متوفرة فى كل هاتف محمول، مما ساعد على قرصنة الأفلام بتصويرها فى دور العرض، الأمر الذى يدعو إلى ضرورة التدخل بالحماية لتلافى التورط فى حالة العشوائية، التى تهدر مجهودات وحقوق المبدعين فى كل المجالات، وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم القرصنة الرقمية إلى 215 مليار دولار عام 2015، وعلى سبيل المثال فيلم «أفاتار» تم بيع 20 مليون نسخة منه غير مرخصة فى عام واحد فقط، وقد وصلت خسائر السينما الأمريكية من القرصنة وفى عام 2005 فقط إلى أكثر من 6 مليارات دولار.
القرصنة فى دولة الإمارات تصل إلى 27%.. تعتبر الإمارات بين أفضل 20 دولة فى العالم والأولى عربيا فى مجال حماية الملكية الفكرية.. وبالمقارنة مع إحصاءات القرصنة فى بعض الدول نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تصل فيها النسبة إلى 20%، بينما فى الصين 90%، وفى روسيا وتايلاند 79%، وبالتأكيد فإن مصر فى هذا الشأن لا يمكن سوى أن تنافس الصين.
الولايات المتحدة الأمريكية أغلقت عام 2010 نحو 9 مواقع لتنزيل الأفلام مجانا، وكان عدد المشتركين فى تلك المواقع 7 ملايين، ولا ننسى أن أمريكا هددت قبل بضع سنوات بإيقاف المعونة عن مصر لو لم تتم حماية الفيلم الأمريكى من السرقة على الأراضى المصرية.
هذا النوع من السرقات ينتشر معظمه فى العالم بين الشباب من 16 إلى 24 سنة، وفى دراسة دنماركية أثبتت أن 70% من الشباب لا يرون القرصنة على الأفلام والموسيقى تعد جريمة ولا تعتبر حتى تجاوزا أخلاقيا، والحقيقة أن عددا من كبار مبدعينا كثيرا ما مارسوا السرقة الأدبية، سواء فى السينما أو الموسيقى، بل إن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب كان له باع طويل فى هذا المجال أشارت إليه رسالة دكتوراه تم تقديمها قبل 35 عاما، وإن كان عبد الوهاب كان يطلق عليها اقتباسا وأحيانا تأثرا وليست سرقة، ولكن هذه تظل قصة أخرى.