وما الحل؟
وجاءت إجابة الشعراوى على النحو التالى:
- لا بد أن نصل إلى شىء نتفق عليه، وهو ما ليس من عملى ولا عملكم ولا عمل أحد، لكنه عمل مَن هو أعلى منا جميعا، وبذلك تنتهى المسألة ولا يشعر أىٌّ من الطرفين بأنه مهزوم للآخر، بمعنى أنه لا بد أن يكون هناك مشروع أعلى من الطرفين، فلا يتعالى أحد على أحد.
وأنا -كاتب هذه السطور- أتحدى أن يكون أى أحد قد فهم أى حاجة من هذه الإجابة.
لكن الأمر لا يمنع من التأمل.
1- إذا كان الشىء الذى نتفق عليه ليس من عملنا وهو من عمل الله.. فهل ننتظر جلوسا أمام الشيخ الشعراوى فى أحد دروسه أن يهبط علينا الحل من سقف الجامع (؟!).
(وهى فرصة كى يصوِّر التليفزيون الحل وهو نازل من السقف).
2- أنا لا أفهم على الإطلاق معنى جملة أن يتعالى أحد على أحد التى يقولها الشعراوى.. مَن الذى يتعالى؟!
يتعالى إيه يا سيدنا الشيخ؟!
إن هذه معركة بين مجتمع يريد لنفسه التقدم والتطور والحضارة، والإسلام الحقيقى يضمن له كل هذا، وبين فئة باغية ضالّة ترفع السلاح ضد الجميع وتقتل وتشرِّد وتمزِّق مجتمعا إسلاميا شَرَّ تمزيق.. هل المطلوب إذن أن نراعى إحساس ومشاعر ورِقَّة المتطرفين ونصل معهم إلى حل حتى لا يشعروا أن أحدا تعالَى عليهم (؟!).
لكن أعود وأقول إننى لم أفهم إجابة الشعراوى وأترك التعليق لمن فهمها.
طبعا ليس هذا هو السؤال الوحيد الذى أجاب عنه الشعراوى.. بل هناك أسئلة لا تقل روعة وإذهالا عنها.
خذ مثلا:
فى إجابته حول سؤال عن الشريعة الإسلامية قال:
- واعلموا أن الحكام فى كل الدنيا يتملقون شعوبهم ويحاولون أن يفعلوا ما تحب هذه الشعوب، فإذا أظهرَت الشعوب أنها تريد الدين فسوف يجلس الحكام على السجادة ويمسكون السِّبَح لأن الحكومات تريد أن تُرضى الشعوب وتعطيها ما تريده، فإذا كانت تريد الدين أعطتها الدين وإذا كانت تريد اللهو أعطتها اللهو «انتهت إجابته».
ونحن لا نعرف أىَّ حاكم وأىَّ دنيا يقصد الشعراوى.
نحن نعرف فقط أن شعوب العالم المتقدم هى التى تختار حكامها بحرية كاملة وتطردهم بحرية أكثر اكتمالا، وأنها تغضب فيسمع الكلُّ غضبَها وترفض فيرضخ الكل لها، كما أن الحكام هناك حكام وراءهم وأمامهم مؤسسات ديمقراطية علمانية بالمناسبة تنزع المُلك عن المنحرف وتعطى الحق للعادل.
ونحن نعرف فقط حكام العالم الثالث الذين لا يفكرون فى الشعوب أصلا «وما بالك بأن يتملقوها» وهم يقمعون شعوبهم بكل الوسائل والسبل، وهناك منهم الكثيرون الذين يحكمون البلاد لمدد رئاسية مفتوحة حتى يتوفاهم -أو يتوفانا- الله، وهناك من هو على مقعد الحكم منذ 40 عاما، وآخرون منذ 30 عاما، وهلم قمعا!
لكن ما يقوله الشعراوى هنا أيضا فيه خطورة فظيعة:
أولا- إنه يقصر الإسلام والدين على مسبحة الحاكم وجريه على السجادة، بينما يحذف من قاموسه أى كلمة عن العدل، وعن الديمقراطية والأشياء التى إن تبدو للبعض تسؤهم.
ثانيا: إنه -من الواضح جدا- يتهم الشعب الذى لا تطبَّق فيه الشريعة بأنه يريد اللهو، ولذلك فالحاكم يعطيه اللهو، وهو ليس تبسيطا مخلًّا بقدر ما هو تبسيط هَشّ، فالشعب المصرى متدين تماما، وحكومته وحكامه فى كل عصورهم دون استثناء يحترمون الدين والتدين، بل إن الشىء الوحيد الذى يتملق فيه الحكامُ المحكومين هو الدين فى التليفزيون وأولها برنامج الشعراوى جزء أصيل من هذا التملق.
ثم تتتالى إجابات الشعراوى، لكن والحق يقال إن أخطر إجابة فى تاريخه كله جاءت ردًّا على سؤال حول الفتاوى التى يصدرها مَن يعلم ومَن لا يعلم.
قال الشعراوى بالنص الحرفى:
- السبب أن الدين ليس له صاحب، فهل نجد أحدا يفتى فى نظام الحكم؟ فى الدين تجد كل مَن فكر، وكل مَن دَرَس له توجيه، وأنا أمير وأنت أمير، وليس أحد أحسن من الآخر، أما إذا كان للدين صاحب وأمير واحد وإمام نتفق عليه فلا يستطيع أحد أن يتكلم.
نستكمل غدًا.