ماذا نصنع مع الإخوان؟!
سؤال صعب، وقد يكون الأصعب فى تاريخ مصر الحديث، فالجماعة لا تريد أن تكون بعضا من الوطن وتندمج فيه، وتعمل بأقصى طاقتها لأن يكون الوطن جزءا منها أو تابعا لها، ولو حدث ستدخل مصر نفقا أو كهفا لا يعلم إلا الله متى يمكن أن تستفيق منه وتسترد نفسها وتعود إلى حالتها الطبيعية.
وتقف ثلاث مؤسسات كبرى حائلا أمام الجماعة فى الاستحواذ على الوطن، لمجرد أنها تؤدى عملها الطبيعى، وهى بالترتيب: القوات المسلحة والإعلام والقضاء.
وبالطبع القوات المسلحة «عظمة ناشفة» فى الزور، يصعب بلعُها، ولهذا لن تخرج مليونية من الجماعة وأتباعها باسم «تطهير الجيش»، أما الإعلام والقضاء فأمرهما أقل خطورة، وإن كان القضاء أسهل، لأن الإعلام المراد الفتك به أغلبه قطاع خاص، بعيد إلى حد كبير عن مقصلة التطهير الإخوانية، وبه صنف من الناس ألسنتهم طويلة وقدراتهم على الرد غير محدودة، وبعضهم لا يخاف من السلطة، ولهم منظمات داخلية تحميهم وهيئات دولية تدافع عن حرياتهم، وسبق أن خاضوا هذه المعركة مع حسنى مبارك ورجاله فى عز صولجانه ولم يخسروا.
إذن لا يبقى أمام الجماعة إلا القضاء وأمره متاح، فهو تحت أيديهم بشكلٍ ما، إذ ليس مستقلا استقلالا كاملا عن السلطة التنفيذية، كما أن مجلس الشورى «بتاعهم» وجاهز بأى تشريعات مطلوبة.. والأهم أنهم جربوا لعبة «تطهير النيابة» ونجحوا مع منصب النائب العام، وأصبح لديهم نائب عام كما يريدون بالضبط، ومع إصدار قانون السلطة القضائية الجديد، بإحالة القضاة إلى المعاش فى سن الستين تنجح الخطة فى «تفوير» ثلاثة آلاف قاض دفعة واحدة، وبما أن المرشد العام السابق مهدى عاكف قد فضح النيات الباطنية للجماعة، فلا بد من صناعة سحابة سوداء تختفى فيها عملية «التفوير» وتحل محلها مليونية التطهير!
وهى مليونية يلزمها أسباب تبدو منطقية تعلن على الرأى العام، وهى الدفاع عن الأجيال الجديدة المحرومة من الوصول إلى منصات القضاء فى سن مناسبة، ولن أناقش صحة هذا السبب، فلو كان صحيحا، هل هذا «التطهير» أمر عاجل فى مجتمع مضطرب تتكاثر عليه أزماته الأمنية والمعيشية والاقتصادية، كما يتكاثر الذباب على القمامة؟! هل خفض سن القضاة أمر عاجل جدا إلى هذه الدرجة؟! ولو حدث هل ستحل أى أزمة من الأزمات التى تحاصر مصر الآن؟!
بالقطع لا.. ليس أمرا مُلحًّا أو عاجلا، وعندنا عشرات الأزمات والمشكلات الأكثر إلحاحا والأكثر خطورة، لكنهم لا يهتمون، وقد نفكر فى مثل هذه القضايا «الترفية» حين يستقر المجتمع وينطلق إلى الأمام، ونحن بالقطع مع منح الشباب فُرَصَه كاملة لشغل المناصب العليا نجدد به دماء المجتمع وحيويته، مع الاستفادة من شيوخ القضاة، بعيدا عن هذه المناصب، كما هو الحال مع أساتذة الجامعات غير المتفرغين الذين لا يشغلون مناصب رؤساء أقسام أو عمداء أو وكلاء كليات.. إلخ، فهم ثروة، التفريط فيها جريمة، خصوصا أن الجامعات المصرية فى الثلاثين سنة الأخيرة كانت أقرب إلى مدارس ثانوى.. وما زالت.
والسؤال: ما الذى يستفيده الإخوان من إحالة أكثر من ثلاثة آلاف قاض إلى المعاش؟!
الإجابة بسيطة..
أولا: يجرى تصعيد القضاة ورجال النيابة التاليين إلى المناصب الشاغرة، وقطعا أصحاب الميول الإخوانية أو المتعاطفين أو أعضاء جماعة «قضاة من أجل مصر» سوف يتصدرون أولا المشاهد فى كل درجات التقاضى.
ثانيا: تعيين دفعات جديدة «بالزوفة» فى النيابة لتعويض العجز الناجم عن التصعيد، دفعات حسب المقاس وبالمواصفات المطلوبة.. أى أخونة النيابة العامة بدرجة كبيرة.. فالنائب العام وحده غير كاف، والطعن فى شرعيته لا يتوقف.. وإذا حدث وغادر الإخوان منصب رئيس الجمهورية لأى سبب، تظل مؤسسات الدولة فى قبضتهم.. خصوصا فى القضاء والشرطة والمحليات والتعليم، وهذا هو الهدف الحقيقى للأخونة!
وهذا يفسر أسباب مليونية «تطهير القضاء»، وإذا كانت مصحوبة بإقالة وزير العدل المستشار أحمد مكى فهى من قبيل الإثارة الجانبية للمليونية، وليست تجسيدا للمثل الشهير «أَخْرة خدمة الغز علقة»، فأحمد مكى منهم ولهم، وخروجه من الوزارة راحة لمن هم فى عمره، وأيضا هم أخطر من أى «غز» تعرضت له مصر!
وهذا لا يمنعنا من إدانة العنف الذى أصاب أطراف المليونية عند ميدان عبد المنعم رياض، ولا يمكن أن نبرره بأى حال من الأحوال.. فهو جريمة. لكن.. هل يمكن أن يستشير الإخوان أى أساتذة فى علم الاجتماع السياسى عن أسباب هذا العنف؟! ربما يُقدرون خطورة ما يصنعون، لأن أسباب هذا العنف ممتدة ولا علاقة لها لا بالثورة المضادة ولا يحزنون!