خاض الدكتور محمد مرسى انتخابات رئاسة الجمهورية مرشحا عن جماعة الإخوان المسلمين تحت شعار
«النهضة.. إرادة شعب»، وأعلنت الجماعة أن لدى مرشحها مشروعا للنهوض بمصر، وأن هذا المشروع يعتمد على استثمارات هائلة فى كل المجالات، وأن فوز محمد مرسى بالمنصب سيضع مصر على أول طريق النهضة. وقبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين مرسى وشفيق، أدلى الشيخ يوسف القرضاوى بدلوه فى المعركة، مؤكدا أن فوز مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى بالمنصب سوف يجلب مئتى مليار دولار استثمارات قطرية فى مصر. وفاز الدكتور مرسى مرشح الجماعة بالمنصب بفارق طفيف، وفى انتخابات مثيرة للجدل، ما خفى منها أعظم كثيرا مما نعلمه حتى الآن. وانتظر الجميع نهضة مرسى وجماعته فى أى مجال من المجالات، ومرت الأيام ولم يظهر مشروع النهضة، بل كان ما يحدث هو مزيد من التمزق فى البلاد، الفوضى، غياب وتغييب القانون، فتح أبواب مصر على مصراعيها لدخول أفراد وجماعات متشددة من شتى أنحاء العالم، حتى إن المخابرات الألمانية وصفت مصر بأنها باتت قبلة السلفيين الألمان (من أصول تركية). مرت الأيام ومصر تتمزق، والمصريون يتناحرون، وبدا واضحا للجميع أن مشروع مرسى والجماعة هو أخونة البلد، السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، تمكين الجماعة من الانتشار فى كل أجهزة الدولة ومؤسساتها والسيطرة عليها. رويدا رويدا بدأت تتشكل ملامح مشروع نهضة الجماعة، العمل على بيع قطعة من أرض الوطن تقدم كهدية للأشقاء فى الجنوب (حلايب وشلاتين) كى تكون السابقة التى يبنى عليها بيع قطعة أرضى للأشقاء فى الشمال الشرقى، فى قطاع غزة من خلال صيغة متكررة لتبادل الأراضى، فبعد أن يجرى التبادل فى الجنوب وتتخلى مصر عن حلايب وشلاتين، يأتى التبادل الأهم مع إسرائيل، غزة والأردن، وفق الخطة التى وضعها الجنرال جيورا إيلاند مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلى شارون، تلك الخطة التى تستند إلى عملية لتبادل الأراضى بين مصر وإسرائيل، غزة والأردن، بحيث تمنح مصر قطعة من سيناء لقطاع غزة فيكون بذلك قلب الدولة الفلسطينية، وتتنازل إسرائيل لمصر عن قطعة من صحراء النقب، وتحصل إسرائيل على قطعة أرض من الأردن فى عملية يبدو فيها الجميع يتبادل قطعة من أراضيه مع دولة مجاورة.
والحقيقة أن العملية برمتها هى غطاء لتنازل مصر عن قرابة الألف كيلو متر مربع من أراضيها لقطاع غزة، بحيث يصير قلب الدولة الفلسطينية الوليدة وتضم إسرائيل قرابة ٤٠٪ من أراضى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وبذلك نصل إلى حل نهائى للقضية الفلسطينية. ومن بين البنود التى وضعها إيلاند فى خطته لإقناع مصر بمنح غزة مساحة من أرض سيناء بأن يجرى تعويض مصر بنحو ٧٠ مليار دولار تستخدم فى تحسين الأوضاع الاقتصادية. تم وضع هذا المشروع عام ٢٠٠٥ ارتباطا بالانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة، وفى تصورى أن المشروع كان معدًّا بحيث يقدم لمبارك عندما يقرر توريث نجله جمال السلطة، فتمنحه واشنطن الموافقة لقاء تنفيذ هذا المشروع وتقديم سبعين مليار دولار. يبدأ الوريث عهده بها فتكون هناك حالة مصطنعة من الرخاء الاقتصادى. سقط مبارك ورحل معه مشروع التوريث والوريث أيضا، وفى تقديرى أن الإدارة الأمريكية توصلت إلى تفاهم واضح مع الجماعة، مؤداه أن تدعم واشنطن فرص الجماعة فى السيطرة على السلطة فى مصر مقابل اعتراف الجماعة بمعاهدة السلام مع إسرائيل وتنفيذ خطة جيورا إيلاند لتبادل الأراضى، وفى تقديرى أن موافقة الجماعة على تنفيذ خطة إيلاند هى التى تفسر وتبرر الدعم الأمريكى الكامل للجماعة والمساحة التى تحصل عليها الجماعة من الإدارة الأمريكية. وبالنسبة إلى الجماعة فهى هنا لا ترى أن تبادل الأراضى أو التنازل عن قرابة الألف كليلو متر من سيناء لغزة تنازلا عن أراضٍ مصرية للغير، فهى ضمن الرؤية الشاملة للدولة الإسلامية التى تسعى الجماعة إلى تدشينها، فالأرض ستذهب إلى الشقيقة الصغرى للجماعة أو إلى الفرع الفلسطينى للجماعة، ولن تذهب إلى غريب، أيضا فإن عملية التبادل والتى سوف تتنازل فيها الجماعة عن قرابة ألف كيلو متر مربع من أرض سيناء (التى تبلغ مساحتها نحو ٦٤ ألف كيلو متر مربع) سوف تضمن الحصول على سبعين مليار دولار نقدا فى وقت تلهث فيه الجماعة ورجلها فى قصر الرئاسة لتوفير قرابة خمسة مليارات دولار لتعضيد الاحتياطى النقدى من ناحية ولتحسين فرص الحصول على قرض الصندوق البالغ قرابة خمسة مليارات دولار أيضا، هذا بينما منحُ غزة ألف كيلو متر مربع من أرض سيناء سيوفر سبعين مليار دولار، دون أن يخل بأىٍّ من مبادئ الجماعة، فالتنازل هو للشقيقة الصغرى حماس. أما إسرائيل فهى، حسب قناعات الجماعة، كيان صهيونى مآله إلى زوال.