حذار من اللامبالاة
لا يخفى على أحد أن الابتسامة اختفت من المواطن المصرى، وأن المصريين أصبحوا يعانون مما أطلق عليه الاكتئاب الوطنى وهنا العلاج ليس بيد الطبيب النفسى، ولكنه بيد صانع القرار السياسى، وأسباب هذا الاكتئاب الوطنى متعددة، منها غياب الحلم والأمل والهدف، خيبة تحقيق التوقعات، تهميش المواطن فى عدم مشاركته مع التيار الحاكم وتهميشه حتى للحاجات الأساسية للحياة، وهى أيضا نادرة والإحساس بالدونية لتعالى التيار الحاكم، مما أعطى إحساساً بالعجز واليأس، وهذا له تأثيره الواضح على الصحة النفسية مما يؤثر فى الحماس للعمل أو الإنتاج أو الانتماء للوطن، وأصبح جزء كبير من المصريين يعيشون على أرض مصر ولكنهم لا ينتمون لمصر فيصبح المواطن منتمياً إلى ذاته أو أسرته أو قبيلته أو عشيرته، وقد ساعد على ذلك التعدى على القضاء والشرطة فضاعت هيبة الدولة واحترام الصغير للكبير وكأن هذه الخطة ممنهجة للوصول إلى غرض معين.
يوجد فى الطب النفسى ما يسمى الضلال وهو الاعتقاد الخاطئ بأفكار غير قابلة للمناقشة أو الحوار بل إنها تحتل الجزء الأكبر من فكر المريض ومنها ضلالات الاضطهاد، العظمة، القوة الخارقة، النبوة، الغيرة، الخيانة الزوجية.. إلخ والخطورة أنك غير قادر على إقناع الآخر بخطأ اعتقاده، و يبدو أن التيار الحاكم أصبح فى أسلوبه وسلوكه يميل إلى هذه المنظومة، إذ يعتقد أنه الأوحد المسؤول عن السلوك الإسلامى، ولا يستطيع أحد غيره تطبيقه ولا يقبل المناقشة بل السعى لإجبار الفكر المتطرف أن يسود على الجميع، وهذه تشكل خطورة واضحة على الصحة النفسية، لأن هذا الفكر الأوحد يولد جمود الفكر وإذا تتبعنا تاريخ الأحداث منذ ثمانين عاما نجد ندرة أو غياب أى قدرة على الإبداع من أى أحد منهم، إذن فالتيار الحاكم غير قادر على تشجيع الإبداع سواء فى الثقافة، الفن أو العلم بل إنه أحياناً ما يُحرم التذوق الجمالى، فمثلاً الموسيقى تساعد على الصحة النفسية بل تفرز مفرحات النفوس الربانية من المخ، ولذا تجد العبوس على وجوههم وقسوة الفكر، لأن رفاهية الفن بعيدة عن منظومتهم.
سبحان الله الذى خلق مفرحات للنفوس، ومطمئنات ومهدئات للتكيف مع ضغوط وصعوبات الحياة، لقد اكتشفنا مستقبلات الأفيون فى المخ من إفراز الأندورفين والأنكفالين، وذلك بعد أن عرفنا الأفيون والمورفين والهيروين بسنوات عديدة، اكتشفنا مستقبلات القنب بعد معرفتنا بالحشيش والماريجوانا، اكتشفنا مستقبلات الجابا المهدئة والمطمئنة بعد أن عرفنا أقراص الفاليوم والزاناكس وكذلك مستقبلات السيروتونين بعد أن اكتشفنا عقاقير الاكتئاب أى مفرحات النفوس.
إذن لقد خلقنا الله وفى مخنا الأفيون والحشيش والمهدئات والمطمئنات لكى نستطيع أن نتحمل هذه الحياة لحين العودة لله سبحانه وتعالى، وقد ثبت أنه مع اليأس والقمع والفاشية ونظام الرأى الأوحد وإلزام الإنسان الحر بسلوك جمعى وتحريك فكرة بنمط قمعى، مع الاستبداد الدينى أو السياسى تنخفض نسبة مفرحات النفوس الربانية ويصاب الإنسان بالعجز واليأس والاكتئاب وعدم القدرة على الإبداع أو العمل. يزيد الإفراز المطمئن الربانى مع الصحبة الطيبة، الحب، التسامح، الرياضة خاصة المشى أو السباحة تزيد مطمئنات النفس مع إيمان الجوهر وليس إيمان الطقوس وتلاحظ الابتسامة والسعادة والرحمة على من يتحلى بجوهر الإيمان ونلاحظ التجهم على من يظهر إيمانه بالطقوس والمظهر والقسوة.
يوجد تجربة مشهورة للعالم النفسى سليجمان عندما وضع الفأر فى المصيدة وبدأ فى توصيل صدمات كهربائية متتابعة عليه فبدأ الفأر فى الصراخ والعويل والهياج من الألم، لكن مع عدم وجود وسيله للهروب من صدمات الكهرباء أصبح أخيراً لا يبالى بالألم أو الصدمات وأصبح فى حالة من اليأس والعجز. إن الإحباط يولد العنف، العدوان، الاكتئاب، والقلق ولكنه فى بعض الأحيان يصيب الإنسان باللامبالاة والمداومة على نفس السلوك، وأخشى على المواطن المصرى أن يصل إلى هذه المرحلة، فنحن نشاهد التيار الحاكم يشاهد الاحتجاجات والاعتصامات والسحل والتعذيب والسجن ومحاصرة الدستورية والإعلام، و يتشنج البعض ويصرخ وهم لا يهتمون، بل مستمرون فى طريقهم نحو التمكين آملين أن يصاب المواطن الذى يصرخ ليل نهار باللامبالاة ويقول دعهم يحكموا وليفعلوا ما يشاءون وسأفعل أنا أيضاً ما أشاء.
احذروا من اللامبالاة لأن ذلك سيؤدى إلى انهيار نهضة مصر، انهيار الأخلاق والإبداع سيجعل المصريين قطيعاً دون وعى وكأنهم أناس آليون مغيبون. إن منظومة مفرحات النفوس الربانية الكيميائية فى المخ يحتويها موصل عصبى مسؤول عن البهجة وهو الدوبامين وكل لذة فى الحياة تنتج من هذا الموصل العصبى ومراكزه فى المخ معروفة فالطعام والجنس والتدخين والمخدرات تعمل من خلال الدوبامين، ولكنه ينخفض وتختفى البهجة مع صحبة سيئة، مع استبداد سياسى أو دينى، مع الاغتراب والعزلة، مع البطالة وكثرة هموم الحياة وتصبح الحياة مظلمة بل يتمنى الفرد أن يتذكره الله وينهى هذه الحياة البائسة.
إن كيمياء الحب تعتمد على الدوبامين، والذى يعطى الشعور بالبهجة واللهفة والحماس أما كيمياء الزواج فتعتمد على الأكسيتوسين وهو المسؤول عن المودة والرحمة والعشرة والالتصاق أما السعادة النادرة أن يكون الزواج مزيجاً من الدوبامين والأكسيتوسين كما جاء فى القرآن الكريم عن الزواج. ينص الدستور الأمريكى على أن الحاكم والدولة عليهما أن يسعيا لسعادة المواطن أى يحاولان زيادة وتنشيط مفرحات النفوس الربانية من خلال إتاحة الفرصة للطعام والشراب والسكن والأمن والتعليم والصحة و30 % من جودة الحياة تعتمد على الديمقراطية وحرية الرأى وعدم الالتزام بفكر واحد. أدعو الله أن يوفق التيار الحاكم فى إيجاد منظومة لإسعاد المواطن المصرى بدلاً من إلزامه باليأس والعجز والاكتئاب وأن يتخلوا عن الضلال فى أنهم مبعوثو العناية الإلهية وأنهم سيلزمون الجميع بالسمع والطاعة، لأن مصر المتسامحة لن تسمح بذلك.