السؤال الذى يطاردنى فى أكثر من لقاء تليفزيونى وصحفى بعد كل حدث طائفى هو كيف يلعب الفن دوره فى مواجهة ظاهرة التطرّف.
كيف تقدّم الوحدة الوطنية فى الدراما؟ قضية شائكة جدًّا، لأن المجتمع نفسه بات شديد الحساسية، يشاهد المسلسل أو الفيلم باعتباره مسلمًا أو مسيحيًّا قبل أن يكون مصريًّا، فهو يحاسب المبدع وهو يضع نظارة طائفية على عينيه، وإذا كان هذا هو حال المتلقى، فإن الأمر لا يختلف كثيرًا مع مبدع العمل الفنى الكاتب والمخرج والممثل، فى كل لحظة تلاحقهم تهمة التعصّب وعليهم إثبات العكس، ولهذا فإن عددًا قليلًا جدًّا من الأعمال الفنية هو الذى أفلت من هذا الاتهام، مثل فيلم «الوعد» للمخرج محمد ياسين، والكاتب وحيد حامد الذى شاهدته قبل أربع سنوات.. ولهذا شعرت رغم كل تحفظاتى على الشريط السينمائى بأنه يقدّم أصدق علاقة درامية بين المسلم والمسيحى، آسر يسن ومحمود ياسين، لأنه لم يتعامل مع أديان بل مع بشر، كما أنه قدّم شخصيات مدانة قانونيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا، إلا أنه أمسك بتفصيلة شديدة الروعة، وهى أن الإنسان بداخله بقعة ضوء أبيض، تبحث عن فرصة لكى تومض، وكل منهما من الناحية الدينية مخطئ، إلا أن كل الأديان تضع دائمًا الرحمة فوق العدل والمغفرة قبل العقاب.. شعرت أن هذا الفيلم يتعامل مع شخصيات من لحم ودم بلا أى شعارات مباشرة وبعيدًا عن تلك التقسيمة بين الطرفين على طريقة «أهلى وزمالك» التى سيطرت على أغلب الأعمال الدرامية التى تناولت العلاقة بين المسلمين والأقباط.. مثلًا الكاتب وحيد حامد شاهدت له قبل عشر سنوات مسلسله «أوان الورد» إخراج سمير سيف، وبطولة يسرا، والذى تنطبق عليه الشروط الهندسية فى تقديم الأعمال الفنية التى تتناول الوحدة الوطنية، حيث يصبح التوازن الصارم هو الأساس، مما يفقدها مصداقيتها، وهو ما تكرّر مثلًا أيضًا فى فيلم «حسن ومرقص» لرامى إمام ويوسف معاطى وبطولة عمر الشريف وعادل إمام، وإذا كانت لـ«حسن ومرقص» حسنة، فهى أنه طرح التطرّف باعتباره تجاوزًا مشتركًا بين المسلمين والأقباط، إلا أنه لم يستطع التحرر من القانون الصارم الذى يضع الكنيسة فى مواجهة الجامع والصليب موازيًا للمصحف، وتشعر فى العديد من المشاهد أنه يفكّر فيها ألف مرة من خلال هذا الميزان الحساس الذى يخشى أن يتهم بالتعصب والانحياز فهو يتعامل مع فريقين، وعلى طريقة صباح فى أغنيتها «بين الأهلى والزمالك محتارة والله»، وعلى طريقة صباح أيضًا ينتهى إلى أن «الاتنين حلوين الاتنين هايلين».
حاول المخرج أسامة فوزى والكاتب هانى فوزى قبل 9 سنوات فى فيلم «بحب السيما» اقتحام هذا «التابوه» الشائك، وقدّما عائلات مسيحية تعيش على أرض المحروسة، كان الاتهام المعلن هو أنه يشوّه الشخصية المسيحية، أما الاتهام السرى الذى تردّد همسًا فهو أنه يقدّم تبشيرًا للمذهب البروتستانتى الإنجيلى، حيث إن أغلبية المصريين أرثوذكس بينما الكاتب بروتستانتى!!
ومضات قليلة فى دنيا الدراما حاولت التحرر من تلك القيود، ولكنها قوبلت برفض سواء من المجتمع أو من الدولة، مثل فيلم «الخروج من القاهرة» إخراج هشام العيسوى وبطولة محمد رمضان وميرهان، منذ ثلاث سنوات وهو ممنوع من العرض بتعليمات من الأمن القومى، الأخطر أن منتج الفيلم ممنوع أن يقول إن فيلمه ممنوع بأوامر الأمن القومى، الأعمال الدرامية التى اقتربت من تلك القضية سنجد دائمًا أن أوراق السوليفان تغلّف الشخصيات المسيحية، فلا تتفاعل حقيقة مع المجتمع أو ينتهى الفيلم أو المسلسل بخطبة عصماء، تؤكد عاش الهلال مع الصليب، تذكرنى بأغنية محرم فؤاد التى أنشدها بعد واحدة من الأحداث الطائفية، قائلًا «بحبك يا شبرا بحبك صحيح، يا موال وأوبرا وعامى وفصيح، يا جامعة محمد وعبد المسيح، على بسطة واحدة بحبك صحيح».. ليس هذا هو المطلوب دراميًّا لكى تصل الرسالة التى تجمع محمد وعبد المسيح على بسطة واحدة، ولكن أن نقدّم بالفعل نسيجًا دراميًّا لا نرى فيه المسلم مسلمًا والمسيحى مسيحيًّا بقدر ما نتعايش مع بشر يتفاعلون ويشتبكون ويختلفون أيضًا والطريق الوحيد أن تختفى الدراما التى تهتف بصخب ومباشرة عاش الهلال مع الصليب!!