من ضمن ملاحظات شارلى شابلن على الكوميديا، أن النكات لا يجب أن تكون متلاحقة أكثر من اللازم.. يجب أن تكون هناك فترة كامنة تسمح للمشاهد بالضحك بعد كل مشهد طريف، أما تدافع النكات فيجعلها تقتل بعضها قتلاً. عندما ينزلق البطل على قشرة موز، فلتنتظر قليلاً إلى أن يضحك الناس قبل أن يسكب أحدهم دلو ماء فوق رأسه، عندها سوف يضحكون ثانية.
تذكرت هذه القاعدة وأنا أتابع ما يحدث فى مصر مؤخرًا.. يبدو واضحًا أن من يرسمون خطط الثورة المضادة لا يعرفون هذه الطريقة، والنتيجة هى أن الأحداث تتوالى بسرعة جنونية. منذ فترة قصيرة جدا، كنا نتكلم عما حدث فى المقطم، والاستفزاز الذى أدى إلى انفلات الأعصاب.. فجأة قبل أن ننهى الكلام عن هذا، وقبل أن تنضج عواطفنا وأفكارنا، نسمع عن القضايا المنهالة على باسم يوسف، وقبل أن نفهم ونتكلم تقع حوادث التسمم فى الأزهر، التى يرى البعض أنها نتيجة إهمال جنائى، ويرى البعض الآخر أنها حرب يشنها الإخوان على شيخ الأزهر. لماذا يشنون الحرب؟.. لأنه يقف فى طريق مشروع الصكوك لذا استحق العقاب. وفجأة انقلب موقف المعارضة 180 درجة تجاه شيخ الأزهر الذى كانوا يعتبرونه رجل مرسى، فصار رمز الثورة وآخر الحصون ضد الإخوان. نفس الموقف من حكم العسكر الذى كانوا يطالبون بسقوطه منذ عام فصار الجيش هو المنقذ الوحيد.. وقبل أن نتكلم باستفاضة عن حوادث التسمم نفاجأ بإعادة فتح ملف الفتنة الطائفية.. نفس المراسم والمظاهر والكلمات. وسط سحابة من الرصاص المنطلق من مكان ما. كالعادة لا أحد يعرف من أين جاء ولا من أطلقه.. لماذا؟.. قالوا لأن الأقباط وقفوا مع شيخ الأزهر ضد الإخوان، فقام الإخوان بتدبير هذا العقاب..
هل أعطونا فترة لنناقش هذا؟.. لا وحياتك.. على الفور انهالوا فوق رؤوسنا بموضوع التخلى عن حلايب وشلاتين.. حسب كلامهم تخلى مرسى عن كل جزء فى مصر ما عدا المقطم.
ما هذه السرعة فى الأداء؟.. هناك درجة واضحة من العصبية والعجلة فى أدائهم، كما هو واضح، والنتيجة هى أن تدافع الحوادث جعلها سريعة النسيان.. من يذكر ما حدث فى المقطم اليوم؟.. أنصح جنرالات الثورة المضادة فى مصر وخارجها أن يتريثوا قليلا بين كل حادث والآخر حتى يعطوا كل حادث حقه وقدرته على التأثير.. فليؤجلوا حادث هذا الأسبوع قليلاً إلى أن يستوعب الناس ما سبق..
قلت لصديقى: «الحقيقة أننى أعطيت مرسى والإخوان مزية الانتظار.. لقد هاجمهم الجميع منذ أول لحظة وتحرشوا بهم، لكنى فضلت الانتظار والصبر، ورفضت ابتلاع جبل الأكاذيب الذى أحاطوهم به، حتى شعرت فى لحظات أننا نتكلم عن الحاكم العسكرى الإسرائيلى.. اليوم مرت تسعة أشهر والأمور تزداد سوءًا، ويمكن القول فعلاً وبلا أى تحرش أنهم فاشلون..»،
قال: «هل جئت لتكتشف هذا الآن؟.. منذ اللحظة الأولى جاؤوا بغراب، وطلبوا منه أن يغرد كالبلبل.. كنت أعرف منذ اللحظة الأولى أنه لن يستطيع التغريد.. خبرتك كمثقف يجب أن تجعلك تدرك أنه لن يغرد أبدًا..».
قلت: «أما أنا ففضلت الانتظار على الغراب، لأننى أمقت الأحكام المسبقة، ولأن هذه الحكومة جاءت بانتخابات أقرب للنزاهة، وليست هذه أول مرة يبرهن فيها الناس عن خطأ اختياراتهم.. هل تذكر الآمال التى أحاطت بعصام شرف يوما؟.. لكن انعدام الكفاءة لا يعنى الشيطنة، ولا يعنى الحرائق والمولوتوف.. ماذا يفعل العالم المتحضر مع الحكومات الفاشلة؟ بالتأكيد ليس ما نفعله اليوم».
فتحت الكمبيوتر وبحثت فى «يوتيوب» عن أغنية لم أسمعها منذ عقود.. مع الأيام.. الأغنية الرائعة للفنان عمار الشريعى. عمار الشريعى الذى أعتبر أن رحيله هو جزء مات من قلبى ومن الوطن.. هناك أشخاص هم جزء من كيان مصر كالهرم والنيل، ورحيلهم بالتأكيد يعنى تآكل الأرض التى تقف فوقها.. أبدًا لن تظل الأمور كما هى بعد رحيل جاهين وأم كلثوم وعبد الوهاب وشوقى وطه حسين... إلخ.
الأصوات الشابة لفرقة الأصدقاء تغنى بصوت مفعم بالشجن:
«مع الايام بنتعود على التوهه وعا الاحزان / وبعد التوهه بنحود ونرمى الجرح للنسيان/ ومهما ننسى ما ننسى حنانك يا حبيبة الروح/ وباقيه فى قلبنا لسه ولو كان الفؤاد مجروح».
هل تشعر بالقشعريرة؟.. نغمة العود الحانية تنطلق تحت أنامل عمار لتلين الأرض وتنبت الصحراء التى بللتها دموعك..
أين مصر؟.. اشتقت لها.. المسكينة البائسة تحملت الكثير جدًا وكانت تستحق الخلاص والراحة، لكنها وقعت بين أنياب الإخوان وأنياب أعداء الإخوان.. وكلا الطرفين لا يبالى بأن تتمزق.. ليس منهم من يملك حكمة المرأة التى تركت طفلها لغريمتها أمام سيدنا سليمان. فلتحترق مصر ولا تسقط فى يد المرشد.. فلتحترق مصر ولا يحكمها العلمانيون..
مصدر مجهول يتحدث عن خطة إخوانية ترعاها أمريكا للإطاحة بوزير الدفاع المصرى الفريق أول عبدالفتاح السيسى. منتهى العبث والجنون الإعلامى.. الجنرال شفيق على قناة القاهرة والناس يقول إن الاخوان سيرحلون قبل الحرب الأهلية، فيقول له المذيع فى سخرية إن الحرب الأهلية موعدها محدد سلفًا كأنها مواعيد الدورى.. شفيق يؤكد أنه عائد فى الأسابيع القادمة، كالعادة.. لديه خطط استثمارية وأنهار من العسل واللبن سوف يغرقنا بها لو ذبحنا الاخوان وشنقنا مرسى.. وإلا.. وإلا فهو لن يغرقنا بأنهار العسل واللبن.. سوف يعاقبنا على قلة أدبنا..
وأعود لعم عمار الذى يعزف على نياط قلبه، مع صوت علاء عبد الخالق الجريح:
«عرفنا الشوق على بابك ودقينا على البيبان/ فتحتى الباب لاحبابك وجيتى علينا بالاحضان/ تضمينا وتروينا تفتح فى الجروح ازهار/ نقوم نبدر غناوينا فى قلب الليل يهل نهار»
أشار شفيق إلى أن دولاً خليجية لم يسمها ومؤسسات مالية «تساعد النظام المصرى عبر قانون الصكوك الذى يسمح للأفراد بتملك أصول». وتابع «على من سيشترى هذه الصكوك أن يعلم أن النظام القادم سيلغى أى ملكية لتلك الصكوك».. وسياسيًا، كشف المرشح الرئاسى السابق على أنه يدرس التحالف مع جبهة الإنقاذ الوطنية المعارضة التى تضم 11 حزبًا ليبراليًا ويساريًا، لافتًا إلى «هدف مشترك بين حركته وجبهة الإنقاذ«
موضة شيطنة قطر حتى حولوها إلى إسرائيل.. لم تعد عندهم إسرائيل، بل دولة واحدة تشترى كل شىء فى مصر اسمها قطر، ومن جديد تبدأ ألعاب الأطفال وتنهمر الكلمات الجارحة بسبب ما قالوه وما قلناه.. تذكر اجواء مباراة الجزائر..الحشد النفسى وخلط الأوراق واختلاط الثوابت. يحتاج المرء لجهد عظيم اليوم كى يعرف الأبيض من الأسود..
«يا واحة راحة الحيران/ يا مية عمرنا العطشان/ يا ارض الحب والانسان»
ثم يأتى صوت حنان الرقيق الواجف قليلا من فرط تأثر ورهبة:
«هواكى امان وحريه/ لياليكى دفا وحنان/ بتطوينا سواسيه بنور الحب والايمان/ واحلام الصبا الصافى/ شجرها فوق غيطانك مال/ سقاها نيلك الوافى وطرحت للحياه موال»
قال شفيق للرئيس محمد مرسى: «عليك النأى بنفسك وجماعتك من الأعمال السوداء التى ستشهدها البلاد فى الأيام القادمة لذلك عليك الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة».
يعنى هو يهدد بحرب أهلية فعلاً...
وتستمر الأغنية: «ومهما يكون لا بتهونى ولا بتهون لياليكي/و فوق الجرح بتكونى وبيهون عمرنا ليكى»
إسمع كلامى.. افتح يوتيوب واستمع لتلك الأغنية الآن.. عندما تتمالك الدموع المحتشدة فى عينك ستدرك أن هذا سر مصر.. إنها كبيرة جدا وقديمة جدًا وعظيمة جدًا.. بالتأكيد هى أكبر من الإخوان ومن شفيق ومن البرادعى وصباحى.. الكل قالوا إنهم يحبونها.. بينما من أحبها فى الحقيقة هو عمار الشريعى.