فى تعليقه على اعتداء الكاتدرائية بالحوار التليفزيونى مع لميس الحديدى أثار هيكل شجوننا حول قصة إنشاء الكاتدرائية بطلب من البابا كيرلس واستجابة فورية من عبدالناصر الذى وجد حل التمويل فى الزمن الصعب.
تصرف ناصر يتطابق مع سلوك محمد على باشا بانى مصر الحديثة. وعلى ما بين العظيمين من اختلافات سلك كلاهما فى الحكم سلوك رجل الدولة الذى لا يحتمل إلا المساواة بين المواطنين. ويروى نوبار باشا فى مذكراته واقعة تتعلق بجنازة خاله بوغوص باشا، ناظر محمد على الأرمنى المسيحى، عندما مات فى الإسكندرية ولم يهتم قائد القوات بإقامة جنازة عسكرية له. ووصل الأمر محمد على فى القاهرة، فأرسل إلى قائد القوات: «إلى نجلى المبجل جداً، إلى السيد المحظوظ جداً اللواء عثمان باشا؛ إنك حمار؛ إنك غبى. كيف لا تصطحب أنت والقوات تحت إمرتك الرجل الذى أخلص لك وقام بتربيتك إلى مثواه الأخير؟! عندما يصلك هذا الأمر توجه فى الحال أنت وكل ضابط فى حامية الإسكندرية إلى كنيسة الأرمن، وقم بإخراج جثمان بوغوص ودفنه مرة أخرى فى جنازة عسكرية وتشريفة، أحذرك أن تعصى الأمر».
ويقول نوبار إنهم لم يستخرجوا الجثمان لكنهم أقاموا القداس المهيب، ويعلق منبهاً قارئ المذكرات بأن محمد على أمر بذلك فى وقت لم يكن هناك من يجرؤ فيه (باشا أو الشخصية الكبيرة حتى فى القسطنطينية) على مصافحة مسيحى فى الطريق العام ولو بإيماءة من الرأس!
لا مجال للفتنة عندما يرى اللاعبون بالنار وطنية وحساً إنسانياً وإحساساً بالمسؤولية لدى الحاكم. ودون هذا يكون الدمار، وقد تعلمنا من تاريخنا القريب أن ظهور الفتن الطائفية هو مقياس الزلازل الذى لا يخطئ؛ عندما يرتفع يكون دليلاً أكيداً على انهيار النظام.
ولا يستطيع نظام أن يهرب من المسؤولية السياسية عن الفتن الطائفية. ترتفع المسؤولية إلى حدها الأقصى عندما ينفذ النظام الجريمة أو يحرض عليها. والمستوى عندما ينحاز إلى مواطن ضد مواطن بسبب الدين فيعطى انطباعاً بعدم الممانعة، ثم يأتى ثالثاً الفشل السياسى الذى يفقد الناس الأمل فيزيد عنفهم ويصبح جيرانهم من الدين المختلف هدفاً، وهذا النوع من الأحداث الطائفية عمل غير مدروس يخرج من اللاوعى مثله مثل الانتحار وقتل الزوجة والأبناء والانتحار.
لا يمكن إثبات مسؤولية النظام الحالى عن وقائع العنف الطائفى بالخصوص والاعتداء على الكاتدرائية إلا بحكم قضائى. وإذا كنا لم نثبت بعد جريمة القديسين على نظام مبارك وهو على سرير الحبس فلا أمل فى معرفة حقيقة ما يرتكبه المتربعون على سرير الحكم.
لكن مسؤولية النظام الجنائية والسياسية من المستوى الثانى تبقى قائمة وثابتة بالانحياز العلنى ضد الأقباط، فى تصريحات موثقة لقيادات جماعة الإخوان ممن يضطلعون بمناصب ومهام علنية فى الحكم كالعريان والحداد وبديع، بالإضافة إلى امتناع مرسى عن المشاركة فى المناسبات القبطية الكبرى، وبينها المناسبتان التاريخيتان: تشييع البابا شنودة وتنصيب البابا تواضروس.
ولو كان د.مرسى رجلاً من آحاد الناس أو مجرد عضو فى جماعة الإخوان لكان من حقه أن يتبع قناعاته التى تمنعه من زيارة الكاتدرائية ـ وهى ليست قناعات الإسلام على أية حال ـ لكنه بحكم موقعه أقسم على رعاية الوطن والشعب والدستور، مسؤولية يتساوى فيها القبطى والمسلم. وعندما يقدر أن مسؤوليته تفرض عليه زيارة مرضى الإسهال من طلاب ملعوب الأزهر وتمنعه من واجب العزاء فى الذين ماتوا بالفعل فهو لا يتصرف كرئيس لمصر. ثم إن الأدنى من تقديم العزاء هو تحقيق أمن المكلومين والمعزين. وطالما فاته منع الكارثة من أساسها والعزاء فى ضحاياها، لم يبق إلا تحقيق العدالة فى جرائم القتل والاعتداء على حرمة الموت وحرمة الكاتدرائية، وإلا فمقياس الزلازل لا يخطئ.