نعم الجيش المصرى مستهدف، ليس جرياً وراء نظريات المؤامرة ولا تغطية على أخطاء المجلس العسكرى بترديد شعارات عامة لإخفاء أخطائه، إنما رصد لواقع لا تخطئه أى عين. صحيفة «جارديان» البريطانية نشرت تقريراً مريباً فى توقيته وصياغته، اتهمت فيه الجيش المصرى- وليس أفراداً داخله- بارتكاب جرائم، وتعمدت أن تكون صياغته كالتالى:
Egypt>s army took part in torture and killings during revolution، report shows
(الجيش المصرى جزء من تعذيب وقتل أثناء الثورة)، ولم يقل كما جرت العادة حين كتبت الصحيفة تقارير تتعلق بجيش الاحتلال الإسرائيلى، أو الجيشين الأمريكى والبريطانى فى العراق: «تقارير تشير إلى تورط (أو احتمال تورط) عناصر من الجيش البريطانى أو الأمريكى فى عمليات تعذيب فى العراق»، فى حين وجهت الاتهام للجيش المصرى كمؤسسة وليس كعناصر محددة.
بالتأكيد الجيش ليس فوق النقد طالما أن الأمر يتعلق بانتهاك حقوق مواطن مصرى واحد، إنما المقلق حين تتحول القضية من لجنة تحقيق تدين أفراداً ارتكبوا أخطاء أو جرائم إلى خطة ممنهجة لإدانة مؤسسة، عقاباً لها على تماسكها وانضباطها وحفاظها على أمن البلاد القومى وما تبقى من الدولة.
لقد نادت القلة بهدم هذه الدولة عن قناعة شيوعية أو فوضوية، وحرّض عليها البعض الآخر من ثوار بعض الثورة ومندوبى أمريكا فى الداخل والخارج، أما الإخوان فقد كانوا أكثر دهاء من كل هؤلاء، فقد دعموا الدولة والمجلس العسكرى قبل وصولهم للسلطة، ثم واجهوهما بعد وصولهم لها، ليس بغرض إصلاحهما، إنما لكسر إرادتهما وتطويعهما لمصلحة الجماعة لا المجتمع والشعب.
والمؤكد أن التقرير البريطانى مجرد جزء من توجه عام يتربص بالجيش بصورة تتجاوز أى سلبيات صاحبت إدارته المرحلة الانتقالية، فهناك من ناقصى الوطنية من لا يفرق معه أن من أشرف على انتخاباته جيش بلده وليس الجيش الأمريكى، ولا يشعر بأى حساسية حين يصف جيش بلاده بأنه جيش احتلال، متوائماً تماماً مع النظرة الأمريكية فى الفوضى غير الخلاقة حين فككت الجيش العراقى وحلّت الدولة وتسببت فى قتل مليون مواطن، واختبرت مشروع «الهدم والإحلال» هناك، وفشلت فشلاً ذريعاً.
لم نجد من يتحدث عن خروج آمن للجيش الأمريكى، فى حين استخدم بعض المراهقين هذا التعبير بحق قادة الجيش المصرى الذين لم يصدروا أوامر بالقتل، والمطلوب كان التحقيق فيما جرى لمعرفة من أخرج الإخوان من السجون ومن اقتحم أقسام الشرطة ومن قتل الشباب فى ماسبيرو ومحمد محمود.
البعض حزن على أن مصر نجحت فى أن تسقط رئيسها دون أن تنهار الدولة ودون أن يسقط مئات الآلاف من الضحايا، وهذا فى الحقيقة بفضل تماسك الجيش وانضباطه وشرف العسكرية المصرية، ولو أن الجيش تخلخل- ولا نقول انقسم- أثناء المرحلة الانتقالية أو بعدها بين فريق مع مبارك وآخر ضده، وبين فريق مع الإخوان وآخر ضدهم، وشاهدنا كما شاهدنا فى دول عربية أخرى مدرعات الجيش الأول تواجه الجيش الثانى، أو عناصر الجيش الثورى تواجه الجيش النظامى، فماذا سيكون عليه حال هذا البلد؟ وهل كنا نتصور أن مصر ستصبح بلداً من الأساس.
لقد فشل قادة المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية نتيجة الضعف الشديد لقادته، وتقبلهم بهذا البرود إهانات وشتائم البعض الذين لم يرُق لهم وجود جيش وحيد فى المنطقة قوى ومتماسك، بعد أن انهار الجيش العراقى والليبى والسورى، وبقى فى تلك المنطقة الجيش المصرى كآخر جيش عربى قوى ومنضبط ولديه تقاليد وقواعد محترمة.
نعم، الجيش المصرى مستهدف ولا يريح تماسكه الكثيرين فى الداخل والخارج، وسيصبح الحفاظ عليه هدف كل وطنى، وليس استدعاءه ليدخل طرفاً فى المعادلة السياسية الداخلية كما يحرّض البعض.