أعتقد أن الأستاذ حمدين صباحى يسير بخطة هدفها توصيلنا إلى نقطة يكون فيها الخيار بينه، كممثل للثورة، وبين طرف آخر. وبالتالى توصيلنا إلى نقطة لا يعتمد فيها فى تقديم نفسه على مؤهلاته كسياسى -وهى ضعيفة للغاية- وإنما على رفضنا للطرف الآخر. لو صحّت رؤيتى تلك فهذه انتهازية سياسية بلا حدود، ثم إنها تعبير عن نمط من السياسيين لا أظن أن «الثورة» قامت لكى تكافئه. لا أظن.
المصيبة الأكبر، أن السيناريو الذى وضعه السيد حمدين صباحى لنفسه معطوب. وأن طموحه الشخصى هذا سوف ندفع نحن ثمنه. كيف؟ حمدين صباحى يبنى خطته على افتراضين خاطئين.
الافتراض الأول: أن إقصاءه لتيار الدولة التقليدية عن أى تنسيق مع جبهة الإنقاذ، وتزعّمه لهذا الإقصاء، سيجعله الخيار الوحيد لدى كارهى الإخوان. وهذا خطأ. لأن سياسات الإخوان صبّت فى صالح الدولة التقليدية. وأكسبتها مزيدا من المتعاطفين، على الأقل من بين الكتلة التى كانت فى صف عمرو موسى، ومن كتلة الطبقة الوسطى المحافظة محبة الاستقرار التى ظنت بالإخوان خيرا فى الانتخابات الماضية. أى أن الكتلة الصلبة التى انحازت إلي الفريق أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية (٢٤٪) لا تزال كما هى أو زادت. لن يفرق معها ككتلة أن تكون فى جبهة الإنقاذ أم لا. الاحتمال الأرجح جدا أن ممثل كتلة الدولة التقليدية سيصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات. فمن سيصل أمامه؟ هذا الافتراض الثانى الذى أخطأ فيه حمدين.
الافتراض الثانى: أنه -حمدين صباحى- سيصل إلى الجولة الثانية على حساب مرشح الإخوان، لينافس أمام مرشح الدولة التقليدية. وبمواقفه الراديكالية ضد النظام القديم، سيلتفّ الإخوان حوله. لم ينتبه حمدين صباحى إلى أن الإخوان لديهم خطة بديلة. وأغلب الظن أنهم سيدعمون أبو الفتوح من البداية. وفى هذه الحالة سيحصل أبو الفتوح أيضا على الكتلة الصلبة من مؤيدى الإخوان (٢٥٪) بالإضافة إلى كتلة المدنيين والإسلامجية المدنية الداعمة له. وسيكون المرشح الأعلى أصواتا، أو الثانى، فى الجولة الأولى.
ولو بلغنا الجولة الثانية بأبو الفتوح فى مقابل مرشح للدولة القديمة، فتذكرينى. سنسمع نفس الهرى الذى سمعناه المرة السابقة. وسنجد أنفسنا مرة أخرى فى مواجهة خيارين أحلاهما مرّ. إما اختيار رئيس إسلامجى، يضع رغبات المتطرفين قبل مطالب المواطن العادى، مدعوما بحقيقة أن جبهة الإنقاذ رفضت تيار الدولة التقليدية بين صفوفها. أو اختيار رئيس من تيار الدولة التقليدية.
ستسأليننى: كيف تقول هذا وأنت طالبت بوثيقة تفاهم سياسى مع تيار الدولة التقليدية؟ وإجابتى أن هذه هى النقطة. لقد قدمت هذا الطرح بغرض تثبيت ما وصلنا إليه، وفتح الطريق أمام تحسين شروط الدولة القادمة، من خلال النضال السياسى والميدانى. فارق كبير بين أن يحكمنا أى تيار، وقد توافقنا على مبادئ واضحة باستخدام أدوات السياسة، وبين أن يحكمنا نفس التيار وقد ناصبناه العداء على طول الخط، وقد كنا مكذبين بأفعالنا لدعاوانا عن الانفتاح السياسى، والوطن الواحد، ونبذ الإقصاء. وسنجد أنفسنا فى نفس المصيدة مرة أخرى، كما قبل ١١ فبراير ٢٠١١. الأعلى أصواتا منا على جانب واحد مع تيار لا نكاد نشترك معه فى شىء، اللهم إلا فى العداء مع دولة مبارك. تيار غير مَعْنىّ بأى طرح توافقى لمدنية الدولة. إنما معنىّ فقط بالدعاية ضد أى مظهر، ولو ضئيل، من مظاهر الحداثة. ومعنىّ بالمظلومية وإشاعة النقمة، كدأبه.
سنجد أنفسنا وقتها بلا خطاب جاذب للمواطن العادى، الذى سينحاز إلى الدولة التقليدية خوفا من شبح الانفلات. سنجد أنفسنا وقد فقدت «الثورة» تعاطف المتعاطفين من غير كتلتها الرئيسية، بل -صدقينى- تعاطف بعض من أبنائها الذين مَلّوا من سيطرة الشعارت المنقرضة، المستخدمة دائما لخدمة تيارات بأعينها سيطرت على الفضاء السياسى طويلا، فلم تقدم شيئا، وليس من المتوقع أن تقدم أى جديد مستقبلا، والذين مَلّوا من المسارعة إلى قمع أى رأى مختلف، وتخوينه، والتشكيك فى نيته. الأجيال الجديدة المرتبطة بالقطاع الخاص، وبالمهن العملية، لا يجدون أنفسهم فى خطاب حمدين وقومه. حتى وإن كان الأعلى صوتا فى وسائل الإعلام. لارتباطه بفقاعة وسط البلد.
العقلاء داخل جبهة الإنقاذ يجب أن يعلموا أن بناء الجسور مع الأصوات المتأرجحة، بإظهار المسؤولية والرغبة فى تحقيق المصالحة الوطنية، هو الوسيلة الوحيدة لتوسيع الفكرة اجتماعيا. والليبراليون عليهم أن يعبّروا عن أنفسهم، ولا ينقادوا خلف هذا الخطاب الذى لا يناسبنا، ولا يعبّر عما يعنينا من مبادئ يناير.