هكذا كان رد بعض الصحفيين بعد أن سحبت مؤسسة الرئاسة البلاغات التى كانت قد قدمتها ضد بعض الصحفيين، معتبرين أن الرئاسة كان لا يجب عليها منذ البداية أن تكون طرفا فى صراع مع الصحفيين.
أما البعض الآخر فاعتبرها خطوة أولى وإيجابية نحو المصالحة مع وسائل الإعلام بعد كثرة اتهاماتها في الفترة الماضية.
وبالرغم من أنه قد يعتبر انتصاراً لحرية التعبير وإيقاناً بأن تلك الطرق المتبعة من تقديم بلاغات لإرهاب بعض الصحفيين أو لإجبارهم على ممارسة الرقابة الذاتية ليس لها جدوى، إلا أنه يجب العمل علي تطبيق نقاط أخرى حتى تكون المصالحة مع وسائل الإعلام نافذة.
فضمان حرية الرأي والتعبير وحماية الصحفيين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنظومة القانونية التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على ما يقدم للقارئ أو المستمع أو المشاهد سواء كان في صورة معلومات أو آراء. وهناك عناصر يجب توافرها من أجل ضمان حرية الرأي والتعبير والحفاظ علي الصحفيين وأهمها ما يلي:
أولاً، تعتبر القدرة علي الحصول علي المعلومات ضامناً أساسياً وعنصراً حيوياً لتعزيز مبدأ حرية الرأى والتعبير. وبدون هذه القدرة يكون الاعتماد الأكبر على إبراز الآراء ووجهات النظر المختلفة فقط. وبالرغم من أهمية إبراز الآراء والأيديولوجيات المختلفة إلا أنه ليس كافيا من أجل وجود إعلام حر يعمل على تطوير المجتمع. لذلك يجب ألا يحتوي قانون حق الحصول على المعلومات على عوائق تعوق الحق في المعرفة.
ثانياً، كثير من التشريعات والقوانين الحالية لا تكفل حرية الرأى والتعبير ولكنها معادية له. فبالرغم من استطاعة رفع سقف الحرية بعد الثورة والحفاظ عليه بعد انتخاب الرئيس مرسي إلا أن كثيرًا من مواد الدستور جاءت غير مناصرة لحرية الرأي والتعبير. فمازالت تستخدم كثيرا من المصطلحات الفضفاضة القادرة على قمع الأصوات استنادًا لها.
وعلى سبيل المثال تنص المادة 48 على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة.. وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع.. واحترام حرمة الحياة الخاصة ومقتضيات الأمن القومي». فما هو تعريف «الأمن القومي» الذي يمكن أن يستخدم لمنع أصوات وآراء تخالف سياسات الحكومة كما كان يحدث من قبل؟
كما ينص الدستور في المادة 215 على إنشاء المجلس الوطنى للإعلام الذى يتولى وضع الضوابط والمعايير لمختلف وسائل الإعلام مع مراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة. ولكن غاب النص على كيفية اختيار أعضائه وعلى المعايير التى سيراقب بها المجلس التزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها ومراعاة قيم المجتمع. مما يثير مخاوف من سيطرة الحكومة أو تيار واحد علي سياسات تعيين الأعضاء أو وضع المعايير.
وأخيرا وليس آخراً لا يوجد قوانين كافية لحماية الصحفيين من مختلف أنواع الإرهاب النفسي أو التهديد بالحبس، ومع الأسف مازالت هناك عقوبات تؤدى الى حبس الصحفيين، وهذا أخطر مما يهدد حرية الرأى والتعبير.
فعودة سياسة إرهاب الصحفيين وإساءة استخدام حق التقاضي والسجن بدعاوى الإساءة لتيار معين أو المساس بهيبة رموز الدولة أخطر ما يهدد حرية الرأى والتعبير والإجبار على ممارسة الرقابة الذاتية.
لذلك لا يكفي أن تسحب الرئاسة البلاغات المقدمة ضد الصحفيين، وإذا كان الرئيس مرسي من قبل أصدر قرارا بإلغاء الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر فلابد أن تلحق هذه الخطوات خطوات ضامنة لحرية التعبير من خلال تشريعات تصنع مناخاً صحياً لممارسة العمل الإعلامي بمهنية دون ممارسة ضغوط عليه.
فعلي اللجنة الحالية المشكلة للتعديلات الدستورية أن تنص على عدم جواز حبس الصحفيين فى قضايا النشر إلا فى حال التعرض للأعراض أو الحياة الخاصة أو إثارة الفتن. فأكثر ما يعانى منه الصحفى فى مصر هو كثرة القيود التشريعية والرقابية على حرية الرأى والنشر والخوف من عقوبات سالبة للحريات مثل الحبس، وبالتالي ازدياد الرقابة الذاتية للصحفيين التي تتعارض مع حرية التعبير والنشر. لذلك يجب إعادة النظر في القوانين التي تفرض الحبس على الصحفيين لمجرد إبداء رأيهم ويكتفى بدفع غرامة مالية.
كما يجب النص على استقلالية وسائل الإعلام والمجالس أو الهيئات المزمع إنشاؤها ووضع ضوابط لضمان مهنيتها وكفاءتها وطرق تعيين أعضائها. وضرورة مشاركة مختلف أطياف المجتمع فى وضع الضوابط لتمثل المجتمع المصرى على حق وحتى يكون الشكر واجباً.