ولا ينتهى الأمر عند ما ذكرناه فى السطور السابقة بل هناك الأسوأ، مصر كانت واقفة على قدميها بعد قيام الثورة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وعلى سبيل المثال لا الحصر الاحتياطى النقدى وقتها كان خمسة وثلاثين مليار دولار.. الآن لا شىء تقريباً ومع توقف جميع المصادر باستثناء تحويلات المصريين بالخارج لذويهم، وهم الآخرون أمسكوا بعد أن قفز الدولار أسرع من قفزة البرغوث وصار سعره فوق الثمانية جنيهات، كما أنه اختفى اختفاء الثعبان فى جحره، وها هى مصر التى كانت واقفة على قدميها قد انبطحت تماماً بعد أن عصفت بها رياح الغلاء والحاجة وصارت مثل العجوز المتهالكة التى تجلس فوق مقعد متحرك وتمد يدها للتسول.. حتى إن دولاً صغيرة بعضها بالكاد يتساوى فى المساحة وعدد السكان مع أحد المراكز المصرية، ولا أقول المحافظات، تتعالى على مصر وتتعامل معها تعامل التابع المطيع لأن «العصبة» التى تحكم ليس لديها بديل آخر، وهى تلهث وراء أى قرض بأى شرط.. وأى مساعدة حتى بإراقة ماء الوجه.. وعليه فمصر إذا استمر الحال كما هو عليه فهى فى طريقها إلى الإفلاس والجوع والمهانة.
أيضاً على المستوى الدولى والعالمى كانت مصر واقفة على قدميها بشكل ما.. وكانت مؤثرة وفعالة ولها وزن وقيمة ومكانة، الآن فقدت كل هذا وأصبحت مهمشة وبلا فاعلية، كأنها طائرة هيكلية ترقد على الأرض دون أى قدرة على الحركة.. وعليه أنا لم أندهش إطلاقاً، رؤية وفد مصر فى القمة العربية الأخيرة وجميعهم فى حالة نوم عميق، ورأيى أن هذا أفضل تمثيل لمصر فى هذه الحقبة المريرة، لأن مصر نفسها نائمة.. ولا يهم الملوك والرؤساء إذا كان الوفد المصرى نائماً أو مستيقظاً.. أصبحت مصر كمالة عدد.. «العصبة» التى تحكم غير معنية بأى شأن من شؤون مصر الوطن والشعب، فقط تعمل بكل جهدها على إتمام عملية السيطرة والتمكين الكامل على المجتمع بكامله وهى فى كل يوم تكسب مساحة جديدة.. وهى تضرب بقسوة دون أن يردعها أحد.. والمعارضة منبطحة.. والنخبة السياسية نصفها على الأقل أصابه العفن.. والنصف الآخر فى داخله حلم شخصى بحت.. وجموع الشعب الساخط جرى تهديدهم علناً فى وقاحة غير مسبوقة بحرق البلد، والعصبة قادرة على ذلك.. ولكن من فى أهل مصر يرضى بأن تحرق مصر الغالية؟ فكان الاستسلام للهوان الذى نعيشه الآن.
ونأتى إلى الحصن الحصين الذى هو القضاء.. فى البداية انطلق بعض الذين خرجوا من الشقوق ينهشون فى ضمير القضاة، مطالبين بتطهير القضاء.. والثابت والمعروف أن القضاء يطهر نفسه بنفسه ولكن الهدف الأساسى هو ضرب مؤسسة العدالة فى مقتل ونزع الثقة الثابتة بين المواطن وقاضيه، حتى تتمكن «العصبة» الحاكمة من السيطرة على القضاء ليكون أداة فى يدها الباطشة والقذرة.. ولأن الأمر ليس سهلاً، كما تصورت العصبة، فقد اندفعت فى جنون وحماقة لتضرب القضاء فى عشوائية غبية وشريرة.. حصار المحكمة الدستورية الذى هو فضيحة عالمية وجور ما بعده جور، وذلك لتعطيل المحكمة حتى لا تصدر حكمها.. وعزل النائب العام وتعيين نائب عام آخر بالمخالفة للدستور والثوابت القضائية الراسخة والتى لا يجوز المساس بها.. والاعتراض غير القانونى على أحكام القضاة والتى لا ترضى «العصبة» الحاكمة.. توجيه الاتهامات الباطلة ودون سند لكل مناهض أو رافض.. مطاردة الأبرياء لتصفية الحسابات القديمة.. وأكثر من ذلك كله إحداث شرخ فى جدار قلعة العدالة.. والثابت المؤكد أن «العصبة» الحاكمة كانت تزرع عناصرها التى تم تجنيدها وتدريبها فى جميع شرايين الدولة.. القضاء.. الجيش.. الشرطة.. الخارجية.. الزراعة.. الصناعة.. حتى جامعة الدول العربية.. وبدرجة عالية جداً التعليم والصحة، وعليه فإننا لا نندهش كثيراً هذه الأيام عندما نرى الأشخاص الذين خرجوا علينا من باطن الأرض ليحتلوا أماكن الصدارة فى هذه الحقبة البائسة.. وبالنسبة للقضاء فقد تم اختراقه منذ البدايات، وقد جلس القضاة المنتمون إلى هذه «العصبة» على منصات القضاء وهم يخفون انتماءاتهم التى لا يسمح القضاء بوجودها، لأن من شأنها أن تفقدهم الحياد والنزاهة، خاصة أنهم أقسموا على السمع والطاعة.. هؤلاء كشفوا عن أنفسهم فى جرأة ودون خزى، وصاروا جبهة تشق الصف بتعليمات مباشرة من العصبة الحاكمة.. وقد لا يقبل البعض بأن الجيش تم اختراقه.. ولكن هذا لا يعنى أنه كانت ومازالت هناك محاولات مستمرة، الذى كان يتولى تدريب التنظيم السرى للعصبة فى عهد مؤسسها الأول ضباط جيش.. وتولى التدريب من بعده ضباط جيش بعد خروجهم من الخدمة.. ومن الجيش خرج علينا أكثر من نموذج ولا يجب أن ننسى اختراق الفنية العسكرية.. أو الضباط مثل القمرى والزمر والإسلامبولى وغيرهم.. وأخيراً اللواء «مخيمر»، رجل المخابرات العسكرية والعضو البارز فى الجماعة الآن.. واللواء السابق الذى منح رتبة الفريق منذ عهد قريب فى هذا العهد الكئيب ونفس الأمر بالنسبة للشرطة.. الذى وضع خطة اغتيال «النقراشى» ضابط شرطة.. ونسبة غير قليلة من ضباط الشرطة يكشفون عن هويتهم الإخوانية بعد ترك الخدمة، أى أنهم كانوا يحملونها أثناء وجودهم بها.. والذين يطاردون الشباب الرافض بالغاز والخرطوش يحملون فى صدورهم قلوباً قاسية تعمل فى خدمة العصبة الحاكمة.. ومن عجائب هذه الحقبة البائسة أن يتحول القتلة الذين أغرقوا مصر كلها بالدماء من السبعينيات وحتى نهاية القرن.. يتحولوا إلى مشايخ وساسة وحكماء وأصحاب أحزاب وكأنهم الأطهار والأبرياء من كل ذنب..
فإذا كانت «العصبة» الحاكمة ترفع شعار «الحرية والعدالة» فقد رأينا ما فعلوه بالعدالة.. ولا مانع من نظرة سريعة على الكلمة الأولى من الشعار الكاذب والمضلل.. الحرية.. أذكر القارئ الكريم بحصار مدينة الإنتاج الإعلامى.. وتهديد أصحاب البرامج والاعتداء الجسدى على كل من يخالفهم الرأى.. وحصار مقر الصحف المستقلة والاعتداء عليها وملاحقة الإعلاميين غير المنتمين بالبلاغات والاستدعاءات فى مطاردات سافلة بقصد الردع والإجبار على الصمت والتخاذل.. أليست هذه الأمور كلها كافية لزيف الكلمة الأولى من الشعار المضلل.
أيضاً المواطن المصرى يحس بالانكسار المحبط والمهين عندما يقتل لمصر شباب أبرياء، قتلوا غدراً وغيلة بأياد آثمة وبتخطيط وتدبير ومشاركة من منظمة إسرائيلية النشأة والتكوين، زرعتها الدولة الصهيونية لتمزيق وحدة الشعب الفلسطينى وبعد النجاح الساحق فى تحقيق هذا الهدف.. تم توجيه هذه «الذئبة» لتعض وتنهش أبناء الشعب المصرى.. الشعب المصرى الذى أطعمهم من جوع ولا يزال.. وها هى «إسرائيل» تعيش الآن فى سلام وطمأنينة وتبسط سلطانها فى كل أرجاء الدنيا ولا يجرؤ أى فحل من فحول «العصبة» الحاكمة أن يذكرها بسوء أو حتى يوجه لها أى لوم أو عتاب.. أنكروا قولهم السابق فى الوقت القريب أنهم القردة والخنازير وأصبحوا أهل الجوار.. والأمر ببساطة ودون أى مجهود أن «العصبة» الحاكمة قد عاهدت أمريكا سيدة إسرائيل على السمع والطاعة.. وما تريده الإدارة الأمريكية هو أمن إسرائيل واستقرار إسرائيل وسلامة إسرائيل حتى لو احترقت مصر أو حتى أكلت إسرائيل مصر عن طريق البدل.. تأخذ غزة وغزة تزحف على سيناء وتخلص الحكاية.. وهو الحل الذى يرضى جميع الأطراف بمن فيهم «العصبة» الحاكمة التى ترى فى المنظمة إياها الأخت الصالحة والزوجة الوفية والتى تدعمها فى إحكام القبضة على الشعب المصرى.. ولأن إخفاء الحقائق أمر مشروع لدى «العصبة» فحتى هذه اللحظة لم يوجه أى اتهام لهذه المنظمة بالهجوم على السجون المصرية.. ولا بقتل الثوار فى ميدان التحرير.. ولا بقتل الأبرياء فى استاد بورسعيد.. ولا بقتل الجنود فى سيناء وغير ذلك كثير.. والسؤال الحتمى.. ما هو الشىء الذى يجعل هذه «العصبة» الحاكمة فأرة مذعورة أمام المنظمة الإسرائيلية النشأة؟
وتفعيلاً للقول «شر البلية ما يضحك» فقد تفضل علينا معالى الحاكم وقال إنه يعلم أن هناك أصابع كثيرة تلعب فى البلد وقد يكون صادقاً هذه المرة ولكن غاب عن معاليه الاعتراف بأن هناك أصابع كثيرة تلعب فى أسفل الكرسى الذى يجلس عليه.. لأن إطلاق الكلمات يختلف كثيراً عن إطلاق الريح بعد انتفاخ.. وقد سألنى أحد الناس عن الصفات الواجب توافرها فى الحاكم سواء كان أميراً أو رئيساً أو ملكاً.. قلت.. يجب أن يكون رجلاً بمعنى الكلمة.. ولا يكون الرجل الهزأة.. ويجب أن يكون قراره من رأسه لا من رأس الآخرين.. وإذا تكلم كشف عن علم لا عن جهل.. وإذا فكر فعليه إعمال عقله، وعليه أن يدرك أنه مع الناس لا على الناس.. وإذا جلس على طعام تأدب وأكل برفق وهوادة.. وعليه أن يتذكر كيف كان وكيف أصبح.. وأن يتجنب النوم فى حضور الزملاء.. وإذا حاول أن يكون خفيف الظل ومن أهل الفكاهة فعليه أن يبتعد عن السخافات غير ذلك يكون رجلاً تافهاً شله مثل «خيال المآتة» المعروف فى ريف مصر!!
إضافة إلى كل ما سبق يجب ألا نغفل أحوال أهل مصر النفسية والحياتية.. وكما هو واضح وملموس أن الكآبة زحفت بقوة وظهرت على وجوه المصريين بكثافة.. اختفت الوجوه البشوشة، والضحكات المجلجلة انتهى زمانها.. وزادت أمراض الدم.. وضاقت النفوس بكل حملها الثقيل من الهم والغم.!! ورغم كل ما سبق فيجب أن تأتى إلى القول الفصل.. أو الخلاصة.. وهى للأسف مرة ومؤلمة ومحبطة.. لا أحد ينتظر رحيل «العصبة» الحاكمة فى وقت قريب.. والقراءة الواعية للواقع الحالى لا تقول عكس ذلك.. فقد تمكنت العصبة إلى حد كبير وهناك القول المأثور «من يكون له الغراب دليلاً.. يمر به على جيف الكلاب» أى أننا فى ظل هذا الحكم سوف ترى مصر ما لم تره فى أكثر سنوات القهر والظلم التى تغيرت وتبدلت عليها!! لأنهم قاعدون على أنفاسنا حتى لو أكل المصرى لحم أخيه المصرى وهم يعلمون علم اليقين أن نظام الحكم الذى سوف يخلفهم مهما كانت هويته وحتى لو كان حكماً إسلامياً فلن يدعهم دون حساب عسير وعقاب مشدد جراء ما فعلوه بمصر وبأهلها وعليه فإنهم يجهزون أنفسهم للقتال، وفى ظنى أنهم لن يتركوا حكم مصر إلا بقتال، لن يتركوها حتى بديمقراطية «الصندوق» التى يتشدقون بها وهم أول من يعلم أن الأمر كله خدعة مفضوحة.. لن يتركونا إلا بعد ثورة حقيقية وجارفة ومشحونة بالوطنية كالتى أطاحت بالنظام السابق.. فهل هذا ممكن..!؟ فى الوقت الحالى لا أظن ولا أعتقد والأسباب كثيرة وأولها أن «العصبة الحاكمة تدير عملية التمكين باقتدار ودهاء ودون مقاومة تذكر.. وأعتقد أنهم حولوا المليونيات الكثيرة والمتكررة والرافضة لوجودهم لصالحهم تماماً بعد أن فقدت فاعلياتها وحرارتها وأصبحت عملاً مكرراً «ضجة بلا طحن» حتى ضاق الناس بها وأصابهم الملل فلا هى بالقوة الجارفة المتماسكة والفاعلة والقادرة على التغير وإنما هى عبارة عن تجمعات رافضة لا أكثر ولا أقل تتحول فى آخر اليوم إلى مجرد سوق لبيع الأطعمة والمشروبات.. ويجب أن نعترف أنها أصابت الناس بالإحباط الذى يصب فى النهاية فى مصلحة «العصبة» الحاكمة.. وإلى أن يأتى الزحف البشرى والصامد الذى أطاح بالنظام السابق علينا أن نتحمل.. وهذا أمر حتمى.
فى الطائرة المتجهة إلى برلين منذ حوالى شهر تقريباً كان عليها أحد رجال الأعمال البارزين تبادلنا التحية فى فتور حيث هز كل منا رأسه للآخر رغم أن علاقتى بالرجل كانت ودودة وطيبة، هذا الرجل كان من أشد الناس سخطاً على «الإخوان» حتى إنه عرض على المساهمة بالمال فى إنتاج مسلسل «الجماعة» وقتها واعتذرت له شاكراً.. هو الآن قد تغير وتبدل وأصبح معهم لا عليهم، وعندما نهض من على كرسيه حتى يحرك عضلاته وفقراته أتى إلى سائلاً عن أحوالى فقلت له إننى بخير والحمد لله.. ويبدو أنه أحس بعدم الحماس لاستمرار الحديث فسألنى.. فيه حاجة؟.. قلت له أنا عاتب عليك هذا التحول غير المبرر وإنك ارتميت فى حضن النظام الحاكم والمرفوض شعبياً.. صمت الرجل برهة.. ثم قال فى حسم ووضوح.. عندى تسعة عشر ألف عامل وموظف.. لازم أمشى أمورى.. وتركنى إلى مقعده!!.. وفى برلين تصادف وجودى فى وقت إقامة معرض برلين الدولى للسياحة وأيضاً تصادف أن أسكن نفس الفندق الذى يسكنه الوفد السياحى المصرى.. حيث يكون لمصر جناح مثل بقية الدول المشاركة.. أيام النظام السابق كان يتم الترويج للسياحة فى مصر داخل الجناح بواسطة راقصة شرقية تهز بطنها.. وهذا يدل على قصر النظر وفساد الذوق ونقص الثقافة.. فماذا فعلت وزارة السياحة فى النظام الحالى.. وجهت الدعوة إلى حوالى ستة أو سبعة أشخاص من أعضاء مجلس الشورى المحترمين والملتحين ليقوموا بمهمة الترويج للسياحة المصرية حيث تواجدوا فى الجناح المصرى وكل واحد يرفع يده قائلاً (إحنا إسلامين أهو.. بس بنشجع السياحة) وكانت النتيجة أن الجناح المصرى أصبح مهجوراً وكل من يدخله يغادره عائداً.. وبدلاً من جذب السائح أبعدناه.. وعندما علمت بهذا الأمر من خلال كلمات السخط وعلامات الإحباط على وجوه أصحاب المنشآت السياحية، ناقشت أحد المسؤولين فى غرفة السياحة والذى يمتلك منشآت سياحية كثيرة.. قال لى: (أصلنا جبناهم علشان نضمن إنهم مايطلعوش قوانين تضر بالسياحة) هكذا الأمر وعلى طريقة ارقص للقرد فى دولته، وما أكثر الذين هم على استعداد للرقص فى دولة القرد ودولة الحمار والكبش من أصحاب المصالح الكبيرة حيث يكون الوطن هو ممتلكاتهم فقط.. وأصحاب المصالح الصغيرة أيضاً فى قطاع الموظفين الخائفين من الإبعاد أو التهميش.. أو الراغبين فى وضع أفضل بالنفاق والمداهنة مع عدم إغفال أن هناك قطاعاً كبيراً من البشر يحب أن يكون مع الحاكم بالفطرة حتى لو كان يسقيه العذاب.. وخطباء المساجد الذين كانوا يدعون لمبارك هم الذين يدعون لمن أتى بعده وبنفس الحماس وكأنهم أسطوانة تدور.. أيضاً كل الذين استفادوا بقوة من حالة الفوضى الشرسة التى تعيشها مصر يرحبون باستمرار «العصبة» الحاكمة فى الحكم لأطول وقت، وهم اللصوص والبلطجية وقطاع الطرق الذين يردعون الناس دون أن يتصدى لهم أحد.. هم أسعد الناس بحالة التردى هذه ومصلحتهم فى استمرارها.. أيضاً أصحاب المهن الطفيلية الذين انتشروا فى أرجاء الوطن انتشار الذباب فى مقلب زبالة وهؤلاء ترعاهم «العصبة» الحاكمة رعاية كاملة لأنها لو اعترضتهم أو حاولت فرض القانون عليهم فمن المؤكد أنهم سوف ينقلبون عليها وهؤلاء ليسوا طلبة مدارس أو جامعات أو شباباً ساخطاً حتى تتولى أمرهم الميليشيات، الأمر الثانى أنهم قد كفوا بأنفسهم فأراحوا واستراحوا.. وهم بحكم المصلحة أصبحوا مع النظام لا عليه.. وهكذا أصبح «للعصبة» جنود فى كل شوارع وأزقة مصر.. وهكذا أصبحت «العصبة» مثل حصوة المثانة التى تتراكم فوقها الرواسب فيكبر حجمها وتتضخم.. ومن هذه الرواسب قطاع كبير لا يجب إغفاله.. بعضهم من رجال الإعلام والفكر الذين يعرضون بضاعتهم للبيع لأى مشتر وهم على استعداد لعمل تخفيضات عند الضرورة.. ونحن جميعاً نتفرج عليهم وهم يرقصون رقصتهم الجماعية فى دولة القرد.. ومن المنطق السليم أن نعترف صراحة بأن العصبة قد تمكنت من تخدير الثورة استعداداً لإجراء جراحة استئصال رحم الثورة نفسها حتى تصاب بالعقم وتخضع مصر كلها للسمع والطاعة!
وفى مثل هذه الحالة شديدة السوء، الغضب لا يكفى.. الرفض لا يكفى.. والمليونيات الفاترة بلا فائدة، وأيضاً الذين يأملون فى نزول الجيش والذين يسطرون له التوكيلات، هؤلاء يذكروننى بالمسرحية العبثية «فى انتظار جودو» حيث إن جودو هذا لم يأت أبداً.. ولا أحد يسألنى عن السبب (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) صدق الله العظيم.. والدعاء على «العصبة» لن يجدى فالله سبحانه وتعالى لا ينصر المتواكلين ولكنه ينصر العاملين المثابرين، ورسولنا الكريم كسب معاركه بالقتال لا بالابتهال.. وليس هذا تحريضاً منى على قتال «العصبة» لأنهم الذين سيبدأون بالقتال ولديهم العناصر المدربة عليه، وفى داخلهم الحمق والصلف والغباء بحيث يستعملوا العنف والقهر والإرهاب ضد هذا الشعب الذى خُدع فيهم وضاق بهم، فإن أقدموا على ذلك فلا مفر من قتالهم كما نقاتل أى عدو آثم.. هم الذين هددونا بحرق مصر.. وأهل مصر لديهم القدرة على حرق كل من يهدد أو يحاول حرق مصر.. والله المستعان.