انشغلت قطاعات من المصريين فى الأيام الماضية بما رأوه «هجوما» على مصر وإساءة «لعظمة مصر» من قبل الصحفى القطرى أحمد على. وانطلقت القذائف الثقيلة نحو الرجل وبلاده، فكيف يتجرأ صحفى من بلد بحجم قطر (التى هى أصغر من إمبابة حسب أحد التعليقات) أن يقول إننا منشغلون بالماضى ولا نفعل شيئا للمستقبل، وإننا نستورد كل شىء ولم نفلح إلا فى صنع أقراص الطعمية! وتنوعت قذائف المدفعية المصرية ما بين استطلاعات رأى تتساءل عن وجهة نظر الناس فى «مقال» الصحفى القطرى (وهو ليس بمقال بل مجرد تغريدات)، وبرامج تليفزيونية تفخر بأن المذيعة الفلانية قد لقنت الصحفى «درسا فى الأدب»! بالإضافة إلى سيل النكات الذى فاق- حسب تعليق آخر- عدد القطريين. وتستحضر موقعة الطعمية إلى الأذهان ما سبق أن حدث فى أزمة مباراة مصر والجزائر (2009) التى تطورت إلى صدام مخيف تم توظيفه بشكل سياسى فج من قبل النظامين المصرى والجزائرى، (فهذه عادة النظام السياسى المهترئ الذى يستفز عنصرية الشعوب كى يغطى على خيبته ويستجدى بعض التعاطف). وتطرح علينا تلك الأزمات أسئلة: هل نحن شعب عنصرى؟ هل نعانى الـ«زينوفوبيا» (كراهية الأجانب)؟ ما هى كرامة مصر، وما هى كرامة المصرى/ المواطن؟ هل لدينا تسامح مع الرأى الآخر؟ متى نختار التسامح ومتى نسن أسناننا ونفتك بالفريسة التى تجرّأت وتطاولت على الذات العليا؟ كيف نرى الآخر؟ وكيف يصبح الآخر آخر؟
إن الصراع الدائر الآن ليس بجديد، فالمعركة بين تيار التفوق العنصرى من ناحية وتيار الوحدة الإنسانية من ناحية أخرى يتردد دوما فى سجلات التاريخ. يؤكد التيار الأول على الأنا، الهوية، الثوابت، التفوق العنصرى وبالتالى رفض الآخر والتعالى عليه أو العمل على التخلص منه. ويمثل هتلر هذا التيار فى أسوأ صوره، وكذلك نظام التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا. أما حاليا- فى مصر والمنطقة العربية- فالإخوان المسلمون يحملون رايات هذا التيار بنجاح ساحق. وهم يعتمدون على الآليات القديمة نفسها، ومن بينها إشعال نيران الفتن من أجل ضمان البقاء. لا تستغربوا إذن أن يأتى لنا كل يوم بشقاق بين أضداد مصنوعة: مسلم مسيحى- سنى شيعى- قطرى مصرى.
وعلى الجانب الآخر من المعركة يقف تيار داعم لوحدة الإنسانية وحقوق المواطنة والحريات، ويمثل هؤلاء كل المهمومين بالتغيير والمشتغلين نحو مجتمعات أكثر عدالة وإنسانية وأقل تدميرا للبشرية. يضم التيار الثانى إليه جموعا غفيرة من المفكرين والفنانين والناشطين. إنهم طليعة الشعوب والقاطرة الوحيدة نحو المستقبل.
الصراع إذن دائم وأبدى. ولأن دورنا هو دعم التيار الثانى، فعلينا أن ننتبه جيدا لشراك الفتن التى تنصبها لنا باقتدار قوى التيار الأول.
سنظل الأقوى ما دمنا نتبين الشراك ونتفاداها. ولأننا نعرف جيدا من يؤجج نعرات العنصرية ونار الفتن ومن الذى يستلب كرامتنا فعلينا أن نوجه أسلحتنا إلى المكان الصحيح.