نام هارون الرشيد على فراش الموت، فقال لإخوانه من حوله: أريد أن أرى قبرى الذى أدفن فيه؟ فحملوه إلى قبرة، فنظر هارون إلى القبر وبكى، ثم التفت إلى الناس من حوله، وقال: مَا أَغْنَى عَنِّى مَالى هَلَكَ عَنِّى سُلْطَانِى، ثم رفع رأسه إلى السماء وبكى وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه!!.
سيادة الرئيس، أرأيت القفص الذى يأوى مبارك وولده وملئه، أرجو أن تكون الرسالة وصلت، رسالة بعلم الوصول، على الهواء مباشرة، كنت داخل أسوار القصر تسمع وكأنك ترى، ترى الفرعون على سريره يدارى عذاباته بابتسامة خجول، لا يدرى من أمر نفسه شيئاً، مصيره بيد من لا يزول ملكه!.
مبارك وولده وملئه فى القفص، تحسس مكانك يا مرسى، وانظر إلى قفصك، كما نظر هارون إلى قبره، وابك حالك، مسكين أنت الذى تقول نفسك إنك لا تخدع، ولا تكن كمن أغفلنا قلبه، واتبع هوى مرشده وكان أمره فرطاً، القفص وسع مبارك وولده وملأه، هل امتلأت، فيقول هل من مزيد، لا عاصم اليوم من حكم القضاء (وإن تنحت المحكمة)، واعلم أن حساب ربك قريب، يوم لا ينفع أهل ولا عشيرة إلا من أتى المحكمة بسجل نظيف.
مبارك يحاكم على قتل شهداء الثورة، وماذا عن شهداء حكم الإخوان، وبقية الشهداء المغدورين، والسجل متخم؟ دمهم فى رقبتك يا مرسى، فى سريرك، ستظل تتقلب ذات اليمين وذات الشمال، لن يرحمكم الشهداء فى قبورهم، سيطاردك دم «جيكا وكريستى والجندى» فى أحلام، هى كوابيس تسعى، لن يغمض لك جفن، لن يحلو لك طعام، طعام الأثيم كالمهل تغلى فى البطون، خذوه فغلوه ثم جحيم سجن طره صلوه.
محاكمة مبارك ليست نهاية المحاكمات، محاكمة القرن، كلاكيت ثانى وثالث مرة، هناك فصول وفصول، ومتهمون فوق ما تتصورون، يعلم الله من سيجاور مبارك فى القفص قريباً، ومن سيلحق بمبارك فى محبسه، محاكمة مبارك نموذج ومثال لمحاكمات أخرى قادمة، لن يفلت من العقاب قاتل، ولو تبوأ السلطة، ولو تمكن من التمكين، ولو تخفى إلى حين.
لا تكابر ولا تعاند يا أخ مرسى، قد غرك يوما بجماعتك الغرور، استعليتم بعد استضعاف! غرتكم بالأمانى الغرور، صرت تبيع وتشترى فينا، ونحن شعب لا يباع ولا يشترى، تحسبهم أغنياء من التعفف، تعففنا كثيراً، وأنت وجماعتك فى غيكم سادرون، فحق عليكم العذاب كما حق على الذين من قبلكم (مبارك وملئه)، إنهم فى القفص ينزفون ألماً ويتميزون غضباً، وإن كانوا أمام العدسات يبتسمون؟!.
ستغادر حتما القصر الذى ترتع فيه وتحكم، ستغادر وما كنت تنوى، محاكمة مبارك عظة وعبرة، لمن ألقى السمع وهو شهيد، فى القفص منهم من أخذته الصاعقة، ومنهم من أخذته الصيحة، إن عذاب ربك لشديد، أخفت، أخشيت، اعتراك القلق،«أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِى الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ» ( غافر: 21 ).
يا أخ مرسى لا تناقش ولا تجادل، لا تستكبر، ولا تصعّر خدك للناس، ولا تمش فى الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً، أخشى أنك تحتاج دعاء هارون الرشيد عما قريب: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.