لوّح مبارك أمس مبتسماً لعشرات من أنصاره، وبدا مستريحاً واثقاً من نفسه وربما من براءته أثناء مثوله أمام المحكمة، وأعلن القاضى تنحيه عن القضية مستشعراً الحرج بعد أن سبق له أن أفرج عن المتهمين فى موقعة الجمل لغياب الأدلة، وبدا الأمر وكأنه فى طريقه لاتخاذ قرار مشابه ببراءة مبارك، فاستشعر الرجل الحرج حتى لا يتهم بأنه «فلول»، وليس قاضياً محترماً يحكم من خلال أدلة الإثبات والبراهين، رغم أنه هو الذى أصدر حكماً بالسجن 10 سنوات على أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل، وعمرو عسل، رئيس هيئة التنمية الصناعية السابق، إضافة إلى إصداره حكماً بالسجن 15 سنة على رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة الأسبق «هارب» غيابياً، عن جرائم إهدار ٦٦٠ مليون جنيه من أموال الدولة.
ومن المقرر أن تعود أوراق القضية مرة أخرى إلى محكمة استئناف القاهرة لتحديد دائرة جديدة للنظر فيها، ليكون الاختيار وقتها من بين الدوائر الجنائية للمحكمة بأكملها، والبالغ عددها 50 دائرة.
أما مبارك فقد بدا واثقاً من نفسه مستريح الوجه، بعد أن أصبح لسان حال جزء يعتد به من المصريين أن حكمه أقل سوءاً من الحكم الحالى، وأن من يعتبرهم النظام الحالى فلولاً، وفصل ضدهم نص دستورى للعزل السياسى- بأسوأ مما كان يجرى فى عهد مبارك- نالوا 48 ونصفاً فى المائة من أصوات المصريين حين صوّتوا لرئيس وزراء مبارك الأسبق الفريق أحمد شفيق.
عودة مبارك مبتسماً هى نتاج الاستحواذ الإخوانى على السلطة، وهى نتاج الفشل والتردى الذى تعيشه مصر على مدار عامين، حين اجتهد الجميع فى تفكيك القديم، وإضعاف الدولة لصالح الفراغ الذى ملأه الإخوان، وكانت كل خطواتهم محسوبة منذ 28 يناير 2011 وحتى وصولهم للسلطة، فى حين تفننت القوى المدنية المعارضة فى أن تقدم هدية تلو الأخرى للإخوان المسلمين حتى ساهمت بجهد غير مشكور فى وصولهم للسلطة.
صحيح أن فى مصر انفلاتاً أمنياً وأزمة اقتصادية أسوأ مما كان عليه الحال أيام مبارك، إلا أن المسؤول الأول عما وصلنا إليه الآن هو الرئيس السابق نفسه حسنى مبارك وليس غيره.
إن أحد العوامل الرئيسية وراء الانتصار السهل للثورة المصرية يكمن فى ضعف وهشاشة نظام مبارك، خاصة بعد حالة التجريف الشاملة التى فرضها على البلاد، فرجاله الثلاثة كانوا جميعاً فوق السبعين (عمر سليمان وأحمد شفيق وحسين طنطاوى)، وتكلم الأول طوال الـ 18 يوماً من عمر الثورة وكأنه مبارك آخر، فلم يحظ برضا الناس رغم مراهنة البعض عليه قبل الثورة كبديل لمشروع التوريث، وفشل الثالث مرؤوس مبارك 20 عاما فى إدارة المرحلة الانتقالية، وهو المسؤول الأول عن تسليم البلد بلا دستور للإخوان المسلمين، أما أحمد شفيق فهو الوحيد الذى حاول لأنه لم يكن من الدائرة الضيقة الملاصقة لمبارك، فخاض انتخابات الرئاسة وخسر بفارق ضئيل، أما البعض الآخر ممن أكملوا تعليمهم وكانوا جزءاً من نظام مبارك فقد ربطوا أنفسهم بجمال مبارك ومشروع التوريث الفاقد لأى شرعية أخلاقية وسياسية. وإذا كان مفهوماً أن ابتسامة مبارك تعنى شماتته فى فشل من جاءوا من بعده، وأن كراهيته للثورة التى أسقطته مفهومة أيضاً، إلا أنه كان عليه أن يبكى على فشله فى منع الثورة بالسياسة وليس بمواجهة المتظاهرين، بأن يبنى نظاماً قابلاً للإصلاح والاستجابة للضغوط الشعبية، لا أن يمارس كل هذا التجريف بحق النظام والمعارضة.
إن ابتسامة مبارك الشامتة فى خصومه «الفشلة» يجب أن تتحول إلى بكاء على نظامه الفاشل الذى أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.