قال المتحدث باسم الرئاسة إن رئيس الجمهورية قد أمر بسحب جميع البلاغات التى قدمتها إدارة الشؤون القانونية بالرئاسة ضد الصحفيين.
عدد هذه البلاغات ليس كبيرا، ولكنها كانت تمثل مؤشرا مهما إلى انخراط مؤسسة الرئاسة فى الحملة الإخوانية ضد الصحافة والإعلام، التى بدأت باعتبار الصحفيين «شياطين الإنسان» الذين يجب التخلص منهم، واستمرت مع الرغبة المهووسة فى السيطرة على الصحافة القومية والتليفزيونية والإذاعة الرسميين، ومع مطاردة كبار الكتاب والصحفيين لإبعادهم عن صحافة يفترض أنها ملك للشعب فأصبحت ملكا للجماعة!! ومع حصار مدينة الإنتاج الإعلامى ومهاجمة مقرات صحف المعارضة ومحاولة إحراقها، ومع التهديدات بإغلاق الصحف وسحب رخص القنوات التليفزيونية التى ترفض السمع والطاعة، ثم مع أكثر من 600 بلاغ كيدى ضد الصحفيين والإعلاميين من جانب الميليشيات القانونية للجماعة، أو من جانب الأنصار والحناكيش والمستعدين دائما لتقديم الخدمات المطلوبة أو غير المطلوبة للحاكم.. أى حاكم!!
الآن.. تعلن الرئاسة التنازل عن البلاغات التى تقدمت بها إدارة الشؤون القانونية بالرئاسة ضد الصحفيين والإعلاميين، ولو كانت الأمور تسير فى طريقها الطبيعى لتمت محاسبة هذه الإدارة التى يقال إنها «قانونية» مرتين.. واحدة لأنها ورطت الرئاسة فى هذه القضايا، ومرة ثانية لأنها ما كان لها أن تقوم بهذا الدور الذى كان ينبغى أن يوكل فيه الرئيس محاميا خاصا إذا أراد الدخول فى نزاع قانونى مع الصحفى أو الإعلامى أو أى مواطن آخر!!
تنازلت الرئاسة عن بضعة بلاغات ضد الصحفيين والإعلاميين فى محاولة لرفع الحرج وتحسين الصورة، لا بأس فى ذلك، ولكن ماذا عن مئات البلاغات الكيدية من الميليشيات القانونية لجماعة الرئيس؟ وماذا عن مئات البلاغات من الأنصار والحناكيش تقدم بها أصحابها اعتمادا على وجود نائب عام ملاكى يتصورون أن وجوده سيساعدهم فى الثأر من الصحافة والإعلام؟!
تنازلت الرئاسة عن بضعة بلاغات ضد الصحفيين والإعلاميين.. ولكن ماذا عن التهم الهلامية التى ما زالت موجودة فى القانون لاستخدامها فى ردع أصحاب الرأى؟! وهل يمكن أن تبقى مواد مثل إهانة الرئيس، أو إهانة مؤسسات الدولة أو ازدراء السلطات.. إلى آخر هذه التهم المطاطية التى تمنح البعض قداسة لم يعد لها مكان؟!
والأهم من ذلك كله.. هل يعنى قرار الرئاسة وقف حملات التهديد للصحف والفضائيات المستقلة؟ وهل يعنى أن الأخ الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته قد اكتشفوا أخيرا أنهم كانوا على خطأ فى حملة الكراهية التى يشنونها على الصحافة والإعلام، وأنهم قد أدركوا أن السبب ما تعانيه البلاد من كوارث ليس «الإعلام الفاسد» كما يقولون، بل الحكم الفاشل كما يقول الواقع؟!
وهل يعنى قرار الرئاسة الأخير إدراك مدى الحماقة التى تعاملت بها لجنة الدستور مع قضايا الصحافة وحرية الرأى، وكيف تجاهلت كل مقترحات الصحفيين بهذا الشأن، وفى مقدمتها النص على إلغاء الحبس فى قضايا النشر «للصحفيين وغير الصحفيين» بل إنها فتحت الباب -بحكم الدستور الباطل- لإغلاق الصحف بعد أن كنا قد أغلقناه فى التعديلات القانونية التى تمت فى عام 2006 بعد نضال طويل؟!
لا يبحث الصحفيون عن صدام مفتعل بل يبحثون عن الحرية، ولا يعتقد الصحفيون أن «على رأسهم ريشة»، كما يقول المتنطعون، بل يعتقدون أن عليهم مهمة مقدسة لا بد أن يؤدوها للوطن والمواطن، ولا يبحث الصحفيون عن امتيازات خاصة، بل يبحثون عن دستور يحمى الحريات، وقانون لا يحبس إنسانا بسبب رأيه، وسلطة تعرف أن الإعلام الحر هو أكبر حماية لها.. سلطة لا تهدد الصحفيين بالسجن أو القتل، ولا تتصور أن بإمكانها إسكات كل صوت معارض وإغلاق كل صحيفة أو فضائية لا تخضع للسمع والطاعة.. سلطة لا تعادى الصحافة ولا تهرب من الحقيقة، وتعرف أن فشل السياسات هو سبب ما نعانيه وليس «الإعلام الفاسد» أو الصحفيين الذين تراهم «إخوان الشياطين»!!