هذه ليست كلمات في السياسة وليست كلمات في الشأن العام.. هذه كلمات أخاطب بها ضمير كل إنسان مصري حر.
هذه هي المرة الثالثة التي أحط فيها نزيلاً على سجن برج العرب الاحتياطي, وقد أتاح لي ذلك التعرف على عدد ليس بقليل من نزلاء هذا السجن على اختلاف تصنيفاتهم الجنائية، سواء جرائم نفس أو سرقات أو مخدرات أو أموال عامة.
في السجن لا أحد ينكر الجريمة التي ارتكبها, ذلك أنه قد صدر ضده حكم وهو يقضيه داخل السجن، فلا مجال للإنكار أو المناورة، وقد لا تكون المرة الأولى فتجد النزلاء يتحدثون بكل صراحة عن الجرائم التي ارتكبوها، فمن سرق يخبرك بأنه سرق, ومن تاجر في المخدرات يخبرك بأنة تاجر في المخدرات, ومن وقع على إيصال أمانة ولم يسدد قيمته لا ينكر ذلك، وهي جريمة أموال عامة، ومن هنا يكشف لي الواقع عن حقيقة مؤلمة وصادمة، حقيقة تنضح بالبؤس والمرارة.
الحقيقة يا سادة هي أن 99% من السجناء هم سجناء فقر، فهؤلاء هم أبناء الفقراء والمهمشين, هم أبناء الشرائح المعدومة, هؤلاء السجناء هم أبناء الشعب الذي يتم نهبه.. هم أبناء الشعب الذي تتم سرقته.
هؤلاء السجناء يا سادة هم ضحايا النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي المستبد الفاسد الذي عمل على مدار 30 عامًا على نهب الوطن وسرقة مقدراته فأنتج هذا الواقع المأساوي.
ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2010، فإن 40% من تعداد السكان تحت خط الفقر و 8 ملايين أسرة مصرية لا تحصل على الطعام الكافي للقيام بالنشاط اليومي الأساسي ومليون مصري بلا مأوى.
إن هذه الشرائح المهمشة وهؤلاء الفقراء هم من صنعوا الثورة وهم من تصدوا لآلة السلطة الجبارة يوم 28 يناير 2011، وبفضل أبناء هذه الطبقة استطاعت الثورة أن تجبر المجرم حسني مبارك على التنحي، فالثورة لم تصنعها النخبة السياسية ولا جماعات الإسلام السياسي ولا أصحاب اللياقات البيضاء بل صنعها الشعب الكادح ودفع ثمنها من دماء أبنائه الغالية, وقد رفعت الثورة شعار العدالة الاجتماعية من أول يوم، فهي ثورة على الأوضاع المعيشية البائسة التي تعيشها تلك الطبقة، ولكن خيانة فصائل الإسلام السياسي للثورة ولأهدافها جعلت الأوضاع الاقتصادية تسوء أكثر مما كانت عليه قبل الثورة، بسبب تبني هذه الفصائل، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لنفس سياسات النهب والسرقة لخيرات الشعب ومقدراته، لكن هذه المرة لصالح الجماعة، فكل الأمر هو أن رجال أعمال الجماعة حلوا مكان رجال أعمال الحزب الوطني في العملية النهبوية.
إن العدل هو أساس الملك، ومفهوم العدل لا يقتصر على العدل القضائي إنما هو أيضا العدل الاجتماعي والاقتصادي وهو يعني عدالة توزيع الثروة والحق في حياة إنسانية كريمة لكل أبناء الشعب, وإنني أؤمن إيماناً مطلقا بأن هذه الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية البائسة الظالمة لن تستمر، وان الطبقات الكادحة من شعبنا العظيم ستمضي في نضالها الى ان تتحقق اهداف الثورة كاملة وهي بناء نظام اجتماعي واقتصادي على اساس من الحق والعدالة والمساواة.
ان هذا السجن الذي قابع انا فيه الان يحتوي تقريبا على 18 الف سجين, وهو فقط احد السجون في محافظة الاسكندرية وهناك سجن الحضرة وعدد غير قليل من السجون موزعة على محافظات الجمهورية تضم اعداد هائلة من السجناء والسجون في حالة تكدس شديد؛ فكلما زاد النهب والسرقة لمقدرات الشعب وخيراته زاد الفقر والجوع بين البسطاء والكادحين وزاد تكدس السجون بأبناء البسطاء والكادحين الامر الذي يدمي القلب ويؤرق ضمير كل من هو صاحب ضمير.
انني اتوجه بكلماتي هذه لضمير كل انسان مصري حر, بأن دعم الثورة والعمل على تحقيق اهدافها هو واجب وطني وواجب اخلاقي ذلك ان الحياة ليست في أن نهيم على وجوهنا في اشباع رغباتنا والاستمتاع برغد العيش, الحياة هي ان نحيا بضمير حي يدافع عن قضية عادلة وهي قضية الوطن وينتصر لحق مشروع وهو حق الشعب, فكيف لنا ان نهنأ بحياتنا وشعبنا في هذا البؤس والهوان !! وكيف لنا ان نحيا حياتنا ووطننا في هذا الذل والانكسار !!
إنه ما استحق ان يولد من عاش من اجل نفسه
إن الزمن لا يسير ابدا للوراء, وإن سهم الثورة الذي انطلق يوم 25 يناير لنُافِذ الى النصر لا محالة, وأن لا غلبة الا للغلابة وإن الله لنُاصر الحق والعدل شاء من شاء وأبى من أبى.
أنا الشعب ماشي وعارف طريقي .. كفاحي سلاحي وعزمي صديقي
أخوض الليالي بعيون آمالي .. أحدد مكان الصبح الحقيقي
أنا الشعب كفي تعيد الحياة .. تخضر صحاري تبيد الطغاة
تعلى الحقايق رايات بالبنادق .. ويصيح تاريخي منارتي ورفيقي
أنا الشعب مهما يقيموا السجون .. ومهما كلابهم تحاول تخون
هيطلع نهاري وأدمر بناري جحور .. الكلاب والسجون في طريقي
أنا الشعب والشمس وردة في كمي .. نار النهار خيل بترمح في دمي
وتقضي ولادي على كل عادي .. ومين اللي يقدر يقف في طريقي
الله .. الشعب .. الثورة
حسن مصطفى
سجن برج العرب الإحتياطي