حتى ساعات مضت لم يكن كثيرون يعلمون بإعادة محاكمة مبارك.. لا كانوا يعلمون ولا مهتمين.. لا كانوا يريدون محاكمته ولا يسألون.. ربما كانوا ينتظرون قراراً بالإفراج عنه طبقاً للقانون، أو حتى قراراً رئاسيا بالعفو الصحى عنه.. هكذا كان حال كثيرين.. قطاعات كبيرة من الثوار مع العفو.. إما لأن مرسى متهم مثله فى جرائم قتل، وإما لأن قضيتهم الكبرى هى الإخوان!
فاجأنا النائب العام بقرار حبس مبارك، على ذمة هدايا القصور الرئاسية.. فاجأنا أيضاً بأدلة جديدة فى قضية قتل الثوار.. تمثيلية جديدة.. توقيت الحبس الجديد يعنى استشعار حالة رعب من الإفراج عنه، ومحاكمته مطلق السراح، أو محدد الإقامة.. عن نفسى، استبعدتُ أن يكون لدى مرسى جسارة الفعل.. تغلبت على الإخوان شهوةُ الانتقام.. النائب العام كان ينفذ الأوامر أيضاً!
الحبس الاحتياطى فى حالة مبارك بلا معنى.. الرجل من جهة لا يستطيع الهرب ولا يريد.. من البداية قال إنه لن يغادر هذه الأرض.. قال: «عشت على أرضها، وحاربت من أجلها، وسوف أدفن فيها».. وبالفعل لا حاول الهرب ولا أراد.. لا فتح النار على الإخوان، ولا أرسل رسائل للشعب.. استسلم للمحاكمة، واستسلم للمرض.. لم يدافع عن نفسه، ولم يطلب العفو، ولا الصفح الرئاسى!
شخصياً، لا أبرئ مبارك، ولا مرسى من قتل المتظاهرين.. لا أبرئ مبارك تحديداً مما صرنا إليه على يد الإخوان.. فلا هو ترك الأحزاب المدنية تعيش فى مناخ صحى، ولا هو أحدث حالة من التوازن السياسى.. بالعكس أعدم الأحزاب، وتصور أنه يلاعب الإخوان فقط.. استخدمهم كفزاعة للغرب.. فجأة أصبحنا وجهاً لوجه معهم.. يكفى مبارك أن يُحاكم على هذه الجريمة وحدها!
ورغم أن مبارك لم ينطق بكلمة، منذ قرار حبسه، أحس المصريون بالفرق بين نظام فاسد، بعد حكم ثلاثين عاماً، ونظام مستعد للفساد، بعد تسعة أشهر.. استعدى الجميع.. استعدى القضاة، والإعلاميين، والأقباط، والصحفيين، ورجال الأعمال، والنساء.. استدر نظام مبارك العطف عليه، بعد أن جربنا حكم الإخوان.. لم نعد مشغولين بحبسه أو محاكمته.. قضيتنا الآن ماذا بعد الإخوان؟!
منذ فترة، أشاعت دوائر سياسية فكرة العفو الصحى.. هذه الدوائر أحسنت الظن بالرئيس.. وزير العدل نفسه قال إن النائب العام هو من يملك العفو.. لا يعرف هؤلاء أن الإخوان يريدون الانتقام.. لا يعرفون أنهم يسعون للقصاص من كل من حبسهم.. أعدوا خطة الخلاص من القضاة.. راجع تصريحات مهدى عاكف.. سبقها الخلاص من النائب العام.. الدور الآن على القضاة والإعلام!
لو كانت النية مبيتة للتصالح، على طريقة مانديلا، ربما استند الرئيس على انتهاء مدة الحبس الاحتياطى، أو على تقارير طبية.. هذا يوم سيأتى لا محالة.. لا تقل محاكمة القرن، ولا محاكمة بقرون؟.. قل مصر إلى أين بعد الإخوان؟.. لا يشغلنا مبارك فى السجن أم فى البيت.. فى المعادى العسكرى أم فى طرة؟.. تشغلنا مصر بأزهرها وكنيستها.. لا مبارك فى السجن أم فى البيت؟!
ماذا يضيرنا أن يعود مبارك إلى بيته؟.. ماذا يضير الرئيس مرسى ألا يطبق صحيح القانون؟.. لماذا لا نغلق هذه الصفحة؟.. أعرف أن قضيتنا هى العدالة.. أعرف أيضاً أن الثورة لا تنتقم.. مبارك لن يهرب، ولو شاء لفعل.. ما موقف مرسى، لو حكمت «النقض» ببراءة «مبارك»؟.. ما هى التهمة الجاهزة يا تُرى؟!