إذا أردت أن تحكم بلداً بحجم وقيمة بلادنا، كان يجب عليك أن تتأكد أولاً من أنك تمتلك مشروعاً لإعادة بناء وتحديث هذا البلد. وإذا كنت تعلم جيداً أن حكمك يبدأ بعد سنوات من فساد واستبداد حاكم كان مدعوماً بمؤسسات الدولة وأجهزتها وآلياتها القمعية، أطاحت به وبنظامه ثورة شعب، عرفنا من تاريخه أنه قد يصبر فترة من الزمان، لكن قدرته هائلة على التغيير والابتكار والإطاحة بالمستبدين، فكان يجب عليك أن تتأكد تماماً من أن مشروعك للحكم يتضمن إعادة هيكلة الهيئات والمؤسسات، بحيث تليق بدولة حديثة مستقلة، قادرة على توفير الرعاية لكل المصريين، على حد سواء.
أما إذا كنت لا تمتلك هذا المشروع، فستحاول ـ كما حاولت ـ أن توهم الملايين بأن لديك الحل السحرى!.. لكن كان يجب أن تتذكر أنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت! والآن، أنت فى مأزق حقيقى، بعد أن انكشفت كذبة مشروع النهضة، الذى قلتم إنه قد عكف على إعداده مئات العلماء المتخصصين، اكتشف الجميع أنه محض أوهام لكسب التأييد، فتخرج تارة لتقول إنه طائر!! ويخرج أحد قياداتك التنظيمية ليقول إنه مشروع فكرى، لم يصبح مشروع حكم بعد!
لم أكن أتصور أن تبدأ طريق السقوط بهذه السرعة، فقد اخترت الأساليب نفسها التى عجّلت بنهاية من سبقك.
فى الحقيقة لا أستطيع أن أفصل بين أحداث الخصوص والكاتدرائية، ومهاجمة منزل القائم بالأعمال الإيرانى باعتباره شيعياً! فكلها أعمال تنبعث منها رائحة طائفية مقيتة تحاول تقسيم المصريين إلى مسلمين ومسيحيين وشيعة، ثم رجال ونساء، ثم بدو ونوبيين، وصعايدة وبحاروة! هذا التقسيم الذى تظنه سيخلق من كل جماعة عدواً للجماعات الأخرى، فينتهى الحال ببلادنا إلى عشائر مختلفة، بحيث يسيطر أهلك وعشيرتك على مفاصل الدولة، باعتبارهم يشكلون العشيرة الأكثر تنظيماً وتحكماً وسط العشائر المختلفة!
لكنك نسيت أن المصريين ذاقوا طعم الانتصار عندما عاشوا تجربة توحيد الصفوف، وعرفوا أن وطناً به 90 مليون مواطن لن ينهض إلا بجهدهم جميعاً. وبالتالى لا أظن أن الثوار سيلتفتون لهذه المعارك التى تحاول أن تبعدهم بها عن معركتهم الحقيقية. فهم يمتلكون البديل، ويعرفون أن هدفهم الأول هو بناء دولة وطنية حديثة قادرة على النهوض واستعادة مكانتها، بترسيخ قيم ثورتها من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية ومساواة بين المواطنين.
كما أدركوا أن تحقيق هذا الهدف سيكون الضمانة الوحيدة لعدم تكرار مثل هذه الأحداث المعتادة والمتكررة فى نظم الاستبداد، التى تساعد على إشعالها بذور طائفية بغيضة، استشرت عبر سنوات من التراجع والتخلف. فنحن نحتاج جهد كل مواطن مصرى لإعادة بناء بلادنا، ولا نريد أن نرى فى أى مواطن إلا أنه ابن لهذه البلاد يسعى لتقدمها. ولا يهمنا إن كان مسلماً أومسيحياً أو شيعياً أو بهائياً! فهى أمور تخص علاقته بخالقه لا دخل لنا بها.
واجعلنى أذكّرك بأنه قبل اندلاع ثورة الشعب المصرى بثلاثة أسابيع، تم تدبير تفجيرات كنيسة القديسين، للفت أنظار المصريين عن التغيير الذى يسعون إليه. وبعد نجاح الثورة اكتشف المصريون أنها كانت مدبرة بأيدى رجال أمن مبارك ووزير داخليته، مستغلين فيها تطرف من سعوا لتجهيلهم سنوات طويلة، وبث بذور الفتن الطائفية داخل عقولهم!..
فاعلم أن نهايتك قد اقتربت أكثر مما تتصور، وأقرب مما كنا نتصور! وسوف نبنى بلادنا الحديثة التى حلمنا بها. ولن يذكر التاريخ من حاولوا إعاقة مسار الثورة إلا باعتبارهم طفيليات نبتت فى وادينا الطيب.. وسوف نبنى وطناً نستحقه، وعملنا من أجل أن ينعم به أولادنا وأحفادنا، وأحفادك، ومن نجحت فى خداعهم لفترات أيضاً! وطناً يتسع للجميع، وتبنيه أيدى الجميع، فاستعد للرحيل!