استيقظت فى الحادية عشرة صباحا، فبدا لها اليوم طويلا وممتدا. لم تنجب بعد ولا تعمل. كل ما تصنعه هو انتظار زوجها حتى يعود، وليته حين يعود يمنحها شغفه القديم. يأتى إلى البيت سيئ الهندام، كل ما يبتغيه أن يبتلع الطعام ويرقد فى وضع أفقى.
فى هذا الوقت كان زوجها يستأذن من رئيسه فى العمل لمشوار طارئ. نظر إليه شذراً واسمعه ما لا يحب سماعه. غلت الدماء فى عروقه، وتذكر الراتب الهزيل المصاب بفقر دم مزمن. تذكر تضاعف الأسعار فى كل السلع، وتذكر أيضا أنهم لو فصلوه من العمل فلن يجد عملا آخر. فابتلع لسانه ومضى لينجز حاجته ويعود بسرعة.
الطريق صاخب كمختل عقلى يريد أن يعلن للناس جنونه. كف منذ وقت طويل عن ركوب التاكسى الذى تضاعفت أجرته. شرع يشير للميكروباصات العابرة آملا أن يقف أحدها.
فتحت الكمبيوتر بأنامل بضة جميلة. لها ثلاثة حسابات على الفيس بوك، واحد باسم «القطة الشقية» والثانى باسم «فراشة» والثالث باسم « الملاك الحزين». تختار الحساب المناسب حسب حالتها المزاجية. إذا راق لها دور المرأة اللعوب اختارت «القطة الشقية»، وحين تشعر بالخفة والمرح تختار «فراشة». أما «الملاك الحزين» فلحظة الاندماج الرومانسى، وقتها تفكر كم هى حساسة وجميلة وحزينة. أحيانا يصل بها الاندماج العاطفى إلى البكاء، بعدها تشعر بالراحة.
هذه هى اللحظة الحاسمة. يعدو وراء الميكروباص مع شلة من الراكبين المتحمسين مثله، يقفز وهو منحنٍ فى الهدف الخطر المتحرك. وبغريزة ما تحسس جيبه فلم يجد (الموبايل) موجودا. فتش جميع الجيوب وهو موقن بضياعه سلفا، لقد سرق أولاد الحرام موبايله باهظ الثمن، هكذا شرع يصيح فى هيستيريا.
خطابات الغزل تملأ الفيس بوك، لكنها اليوم «الملاك الحزين». مزاجها يميل للحزن والسمو. ردت فى كبرياء أنها زوجة مخلصة. صحيح أن زوجها يأتى منهكا ولا يُمطرها بكلمات الغزل، وحين توقد الشموع وهما يتناولان العشاء فإنه يضىء النور فى دهشة. صحيح أنه الآن مع زميلاته القبيحات يتبادلون المزاح والنكات الرقيعة! ولكنها لن تسمح لنفسها بالانحراف لأنها زوجة حزينة مخلصة. اندمجت الزوجة الشابة فى خيالاتها العاطفية حتى انهمرت دموعها حزنا على حالها.
فى الوقت نفسه كان يتبادل مع ركاب الميكروباص الكلمات الخشنة. اتهمهم بالسرقة ورموه بالحماقة. ولعله سقط منه قبل أن يركب! أصر على الذهاب لقسم الشرطة. وحين وجد البلطجية يضربون رجال الأمن ضربا مبرحا أدرك أن عودة الموبايل هو آخر شىء يمكن أن تهتم به الشرطة. غادر القسم شاعرا ضياعا وهناك تذكر أنه لم يعد لعمله. ترى ماذا سيعد رئيسه له؟ وهل سيرفده غداً؟.
لا بد أنه الآن فى أحضان عشيقته، هكذا أخبرتها ظنونها. حاولت أن تتصل به لكنها وجدت الهاتف مغلقا. ثار الدم فى عروقها، وشعرت بالإهانة والغضب. حينما عاد فى العاشرة مساء زائغ النظرات نظرت إليه نظرة فاحصة فأدركت أنه كان يخونها. حدس المرأة لا يُخطئ أبدا. نظرت إليه فى ازدراء، وفى كبرياء أولته ظهرها كمَلكة، ثم أوصدت باب غرفتها بالمفتاح غير مبالية بنظراته المندهشة.