أسأل نفسى دائما: ماذا بقى من مصر لم يخضع للحصار؟
حوصرت الداخلية والدفاع والمحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى.. وحوصر الرئيس فى قصره واضطر أن يخرج من الباب الخلفى لأول مرة فى تاريخ مصر.. وحوصرت الأحزاب.. وكذلك السفارات الأجنبية لأول مرة فى مصر.. دون اعتبار لقيم الإسلام الذى يحمى «الرسل» أى السفراء والقناصل والدبلوماسيين ويمنع الاعتداء عليهم حتى فى حالة الحرب.
فقد سبق الإسلام القانون الدولى الحديث بقرابة 14 قرنا من الزمان فى النهى عن التعرض بسوء «للرسل».. فقد أقام الإسلام منظومة الأمان المتبادل.. فقد أدركت الشريعة الغراء أنك إذا ما أمنت الرسل «أى السفراء والقناصل» والسياح والتجار والعلماء والقادمين إلى دولة الإسلام أمن التجار والسياح والعلماء والدعاة المسلمون فى بلاد غير المسلمين.. ولكن قومنا أعرضوا عن ذلك كله فقاموا بالاعتداء على السفارة الأمريكية تارة وحاولوا اقتحامها.. وحاصروا السفارة السعودية وحاولوا اقتحامها وكتبوا أفحش العبارات على جدرانها دون حياء أو خجل.. وأخيرا حاصروا مقر القائم بالأعمال الإيرانى بالقاهرة.. وإذا استمر الحال على هذا المنوال فلن تكون لمصر أى علاقات خارجية جيدة وستحاصر خارجيا كما هى محاصرة داخليا.. وقد تصبح بين غمضة عين وانتباهتها مثل طالبان التى لم تكن لها علاقات خارجية إلا بثلاث دول فى العالم كله هى السعودية وباكستان والإمارات وهذه العلاقات قطعت بعد 11 سبتمبر.
إن البعض لا يدرك أن العلاقات الدولية فى الإسلام تقوم على المصلحة ولا تبنى على التوافق الدينى أو المذهبى.. وإلا لقطعنا علاقتنا بكل دول العالم التى تختلف معنا فى الدين والمذهب.. وحكمنا على أنفسنا بالموت اقتصاديا وسياسيا وعلميا وتكنولوجيا.. فنحن دولة متخلفة بكل المقاييس.. وكل ما نستخدمه فى كل حياتنا هو نتاج لحضارة الآخرين.. فنحن فى حالة تخلف حضارى لا مثيل له.. ومع هذا نتبجح بين الحين والآخر دون عمل أو علم أو دقة أو بذل.. ولكن بالحنجورى فقط.
إننا نريد أن نقاطع الدنيا كلها خوفا على إسلامنا.. مع أن الإسلام دين ديناميكى ينفتح على الآخرين يأخذ منهم النافع فى الدنيا ويعطيهم النافع من الدين والدنيا.. ويختلف عن الجيتو اليهودى الذى ينعزل عن الآخرين وينكفئ على نفسه. أما آخر الحصارات فهو حصار مشيخة الأزهر أعلى رمز دينى فى العالم الإسلامى بسبب أخطاء إدارية أدت إلى تسمم طلاب الأزهر.. وكان يمكن للطلاب أن يحاصروا مدير المدينة أو رئيس الجامعة فهؤلاء موظفون إداريون فى النهاية.. أما حصار المشيخة فهو يدخل فى مسلسل هدم كل رموز الوطن.
أما آخر الحصارات فهو حصار الكاتدرائية الأرثوذكسية بالعباسية رمز المسيحية فى مصر.. وكأننا نصر على إسقاط جميع رموز الوطن بلا هوادة أو تفكير أو تريث أو حكمة.
لقد حوصر كل شىء فى مصر حتى النفوس والقلوب والأفئدة حاصرها الهم والغم والترقب.
يا قوم ماذا تريدون؟
إذا هدمت رموز الوطن كلها فلن يبقى لنا وطن.. وحينها سنتسول وطنا ولن نجده أبدا.. «وكل حصار وأنتم بخير».