على القناة الإسلامية كانت المذيعة تشدّ أزر جمهورها: وعدنى الرئيس بأنه سوف يغضب...
وعند بوابة مدينة الإنتاج الإعلامى تَحدَّث الطبيب الملتحى بانفعال: هذه وقفة سلمية.. جئنا نطالب بــ«إخراس» الإعلام الضالّ...
إلى جواره وقفت شابة بالخمار تردد فى حزن: لقد طفح الكيل.. طفح الكيل...
أما ذلك الشاب الإسلامى، الذى ترك «الجماعة» منذ سنوات، فيحذرعلى فايسبوك: «ما تفعله المعارضة سيدفع بالشباب الإسلامى إلى التراجع عن خيار الديمقراطية، وسيعيدهم إلى أفكار الظواهرى»...
حقًّا؟
وماذا لو كان الظواهرى نفسه فى الحكم؟
لا بد أنه -تماما مثل مرسى- لم يكن سيعيِّن نوابا من الأقباط والنساء، ولا كان سيشكل حكومة وحدة وطنية، وكان سيترك صياغة الدستور للسلفيين ليضعوا به «أكبر قيود فى تاريخ مصر»، هل كان سيتصدى لتزويج الصغيرات؟ (هل كان سيحمى الأقليات؟ لا تضحك).
ما الذى يمكن أن يفعله -أو لا يفعله- الظواهرى، فيختلف عن مرسى؟
لكن ذلك الشاب الإسلامى الذى يحذِّر (أو يهدِّد) لا يقصد -بالطبع- ما سبق، وإنما يقصد بأفكار الظواهرى، خيارات الإرهاب والعنف والتفجيرات.
لكنك ستتفق معى على أننا لو تصورنا الظواهرى يحكم مصر، فسيكون من السخف أن نتخيله يفجر المقاهى والحافلات، لأنه سيكون فى السلطة بالفعل، لديه الدولة والقانون، والنائب العام.
ويكفى فقط، أن يتنصل من أى وعود منحها، ثم يشيطن المعارضة، وبعدها ينتظر النداءات الشعبية التى تطالبه بأن «يغضب»، أليس كذلك؟
إذن، هل هناك فارق بين أن تقمع إعلاميًّا -مثلا- بالعنف، أو أن يغضب الرئيس فيقمعه بالقانون؟
الفارق فى الدرجة، لا فى النوع.
ليس هذا اكتشافا، كتابات فرج فودة ونصر حامد أبو زيد تحفل بالأسانيد على أن «الإسلامى الوسطى» مجرد أسطورة، ومع ذلك، ومن مفارقات القدر، أن فودة كان يصف الشيخ الغزالى بـ«المستنير»، لكن الغزالى نفسه وقف فى المحكمة مدافعا عن قتلة فودة، أما الأزهر «قلعة الوسطية»، فقد لعب رجاله دورًا أساسيًّا فى تفريق أبو زيد عن زوجته، واليوم، ها هو ذا الشيخ القرضاوى يُصدِر الفتاوى بإهدار دم المدنيين الذى يعارضون الثورات، مما يذكّرنا بأن سيد قطب لم يكن قد دخل مرحلة التشدد بعد حين أفتى بإعدام العاملَين خميس والبقرى، وذلك بعد سنوات قليلة من تقديم السيد سابق للمحاكمة عن فتواه باغتيال النقراشى.
ما المفاجأة إذن فى أنك حين نظرت إلى لجنة وضع الدستور، رأيت هذا الانسجام التامّ بين المستشار حسام الغريانى (وسطى، قاضٍ جليل، رئيس محكمة النقض) والشيخ ياسر البرهامى (سلفى، متشدد، يدعم زواج الصغيرات)؟ ولماذا تظن أن بين موقف أبو الفتوح الحاسم فى «رفض المد الشيعى»، والشباب المتحمس الذى كتب الشتائم على جدران القائم بالأعمال الإيرانى، فارقًا حقيقيًّا؟
بين هذا وذاك، تقرأ للحبيب الجفرى (وسطى، أقنع حنان ترك بأن التمثيل حرام)، كلمات حزينة تنتقد سلوكيات الإسلاميين، لكن الجفرى لا يقول لنا هل يمكن إقامة «المشروع الإسلامى» بغير تلك السلوكيات، هل كان يمكن -مثلا- للرئيس مرسى أن يفوز فى الانتخابات من غير خدعة الليمون، وهل كان يمكن أن يضع «الدستور الإسلامى» من غير احتكار السلطة بالإعلان الديكتاتورى، وإرسال الميليشيات لحصار الدستورية... ربما كان سر حزن الجفرى، اكتشافه أن ما يسمى «المشروع الإسلامى» يحمل بذرة القمع فى داخله بالضرورة، والفارق الوحيد أن «الوسطى» يتحدث عن تطبيقه «بالتدريج»، أى بالقوانين بدلا من المشانق. فماذا لو لم يفلح التدريج؟
ماذا لو حاولت أن «تدرّج» واكتشفت أن كتلة من المواطنين لم تقتنع ولا تريد؟ ماذا لو اكتشفت أن هناك من لا يقبل بغير حقوق الإنسان بديلا، ولا يقنعه أن تمنح شخصا حق الاعتقاد وتحرم غيره منه، لا يرضى أن تتدخل الدولة فى سلوكه الشخصى أو تسجنه لأنه عبّر عن عقيدة مخالفة؟
هل ستغضب، أم ستطالب الرئيس أن يغضب؟
أم ستخيفنا بالظواهرى؟
حين تتفجر أزمات «الأفلام المسيئة»، تُقترح مشروعات أفلام «لتوضيح صورة الإسلام الحقيقى»، لكن أصحابها يتصورون العالم تلميذا فى الابتدائية يريد أن يتعرف «أول مسجد فى الإسلام وأول من أسلمت من النساء»، لكن الواقع -عزيزى الوسطى- أن العالم سيسألك عن أمور محددة: العقوبات البدنية (الرجم والجلد)، ضرب الزوجات، حرية الاعتقاد (والتعبير عنه)... ما لم تحسم تلك الخيارات أمام نفسك أولا، يصعب أن تقنع أحدا بأنك تختلف -حقا- عن الظواهرى، خصوصًا لو وجدت أنك -مثله- ترى أن حقوق الإنسان العالمية تتعارض مع الشريعة وتحتاج إلى «الضوابط»، وأن العلمانية حرام ووثيقة المرأة «تخالف تقاليدنا»، وأنه يحق للرجل أن يضرب زوجته ولا يحق للبهائى أن يقيم دار عبادة، فإن كنت تؤيد ما سبق، فعليك أن تريح نفسك وتعترف أنك مجرد وسيلة أخرى لتحقيق الهدف نفسه، وأنه لا خوف من أن تعود إلى الظواهرى، لأنك لم تبتعد عنه حقًّا.
المسألة، يا عزيزى الوسطى، «مش نظرة وابتسامة».