(1)
حمل 25 يناير حلماً وأملاً ليس للأقباط وحدهم، بل لكل المصريين فى أن الأفق مفتوح لبناء مصر جديدة تتحقق فيها المواطنة عملياً على أرض الواقع. حلماً يقوم على «التواصل» مع لحظات النهوض الوطنى فى مصر الحديثة، و«الانقطاع» مع فترات التردى. مصر جديدة تجدّد النخبة المصرية: جيلياً وطبقياً ونوعياً، وثقافياً ودينياً،...إلخ. وتُحدث مؤسسات الدولة الوطنية لتضطلع بمهامها فى تحقيق التقدم لكل المصريين، وفق نموذج تنموى حقيقى يتجاوز اقتصاد السوق المفتوح والرأسمالية الريعية ـ فى الأغلب ـ والتجارية أحياناً.
(2)
إنه الأمل الذى وضع ملامحه الحراك الثورى الذى انطلق فى 25 يناير، وشارك فيه كل المصريين. أمل أصبح معياراً يتم القياس عليه. وذلك بالنسبة لما يلى:
■ جوهر الحياة التى يجب أن تعاش: «الكرامة الإنسانية».
■ ولنمط الحياة وتأمينها بالأساسيات المعيشية وللحياة المشتركة: «العيش».
■ ولطبيعة الدولة والنموذج التنموى المطلوب ومقوماته التى تضمن المساواة والعدالة التوزيعية والمشاركة العادلة الواعية للجميع، والتضامن بين المواطنين القائم على التمكين والتقدم والرفاهية لا الوصاية أو الخيرية: «الحرية السياسية» و«العدالة الاجتماعية».
لقد تشارك كل المصريين فى رفع هذا الشعار دون تمييز.
وتجسدت جهود عقود فى التبشير بالمواطنة حقيقة فى الواقع...
خرج المصريون من كمونهم فى الجماعات الأولية. الكمون الذى لجأوا إليه فى مواجهة الانسداد السياسى والمدنى وتخلى الدولة عن توفير العلاج والتعليم... إلخ، وعن أحداث توتر متكررة على مدى عقود.
خروج إلى مصر جديدة جامعة لكل المصريين.
وأصبح لدى مواطنينا وعى بأن ملامح مصر الجديدة تستحق النضال والمشاركة فى تحقيقها وأنه لا تنازل عن ذلك، كما لا يمكن القبول بما هو أدنى.
(3)
إلا أن الأمل فى بناء دولة المواطنة قد طالته ضربات قاصمة، مع مرور الوقت... فالسلطة الجديدة ـ بوعى أو بغير وعى ـ أعادت إنتاج مفاهيم وممارسات السلطة القديمة بدرجة أو أخرى. وبدلاً من خلخلة المعادلة القائمة المستقرة منذ التحول إلى دولة يوليو المضادة مع مطلع السبعينيات التى كرست تقسيم المصريين وفق الدين فقط، وأعادت النظر فى الوضع القانونى للأقباط.. نجد هذا المناخ يطل علينا مرة أخرى. وتدل المقاربات والعلاجات المختلفة للوقائع المتكررة على أنه بدلاً من التعاطى العلمى المؤسسى مع هذه الوقائع فإن الأمر يتم التعامل معه بنفس المنطق القديم. الأخطر هو ما رصدناه من أن هناك بعض الحملات الإعلامية التى تحرّض ضد الأقباط وتحذرهم من المشاركة فى الاحتجاجات السياسية أو تحمّلهم وحدهم مسؤولية بعض الأمور أو تتعامل مع الكنيسة كممثل سياسى للأقباط، بالرغم من التأكيد الرسمى على أن هناك مسافة بين الكنيسة والسياسة، وأن هناك أقباطاً يمارسون العمل السياسى والمدنى وحاضرون فى كل التيارات السياسية والفكرية وهو أمر لابد من دعمه وتشجيعه.. وبدلاً من أن يُحتفَى بإصرار الأقباط مرة أخرى على رفض الكوتة.. نجد الواقع العملى يؤذن بتجاوزات غير مسبوقة.
(4)
لم تنجح السلطة فى تبديد المخاوف، خاصة مع انتشار ثقافة تنظر للأقباط كملّة / طائفة، لا كمواطنين، ذلك لأن السلطة لم تستطع أن تفرق بين الأغلبية السياسية والغلبة الدينية، ما يعنى تراجعا عن اللحظة التحريرية التى شارك فيها الجميع فى 25 يناير.. وهو لب الألم الذى يحاصر الأمل.. ما يستدعى المراجعة.