يأتي القضاء الإداري دائماً منصفاً ومساندًا لحرية الرأي والتعبير. فكثير من وسائل البث المسموع والمرئي يتعرض حالياً لكثير من الضغوط والاتهامات من أجل تكميم بعض الأصوات المعارضة لسياسات الحكومة. فما حدث الأسبوع الماضي من تهديد بغلق قنوات الـCBCإذا لم يتم إيقاف برنامج «البرنامج» للإعلامي باسم يوسف لما يتضمنه- طبقًا للاتهامات- من تجاوزات وألفاظ تخدش الحياء، لا يفصح عن نية الحكومة في تعزيز حرية الإعلام وحرية الرأي والتعبير، بل إنها محاولة لفرض الرقابة الذاتية وإلا أغلقت القناة أو المحطة. ولكن جاء قرار رفض القضاء الإداري لوقف «البرنامج» أو لغلق المحطة مؤكدًا عدم المساس بحرية الإعلام المسؤولة.
ورغم ضرورة وجود جهة لإعطاء التراخيص وشروط البث ومراقبة ما تتضمنه البرامج التليفزيونية، فإن مواصفات هذه الجهة لا تنطبق على هيئة الاستثمار.
فإن هيئة الاستثمار جهة تابعة للحكومة، ورغم أنها الجهة المصرح لها بإعطاء تراخيص البث لأي محطة إذاعية أو قناة تليفزيونية، فعملية الترخيص «المعايير أو الشروط التي يتم على أساسها الترخيص» لا تتم بالقدر الكافي من الشفافية، وتابعيتها للحكومة تفقدها الحيادية في قراراتها ضد بعض القنوات المستقلة والمعارضة.
كما أن غلق القنوات أو سحب ترخيصها يتم بعد فرض عقوبات متدرجة، مثل إرسال الإنذارات، ثم فرض غرامة مالية، ثم يتم سحب الترخيص لفترة زمنية محددة. ولكن كيف تقوم الهيئة بمراقبة المضمون وفي الأصل ليس لدينا أي ضوابط أو معايير لمختلف أنواع البرامج. لذلك يجب المطالبة بوجود ضوابط لمختلف البرامج التي تقدم في المحطات الإذاعية أو القنوات التليفزيونية. ويجب التوضيح على أن الضوابط لا تفرض من أجل ممارسة أي نوع من أنواع الرقابة على البرامج ، بالعكس فإنها تقوم بتنظيمها حتى يتم عرضها للجمهور المناسب من حيث الفئة العمرية والتوقيت من خلال تصنيفها. وهذا ما يحدث في «البرنامج» حيث يتم التنويه قبل عرضه بأنه «للكبار فقط» وعلى أنه برنامج ساخر.
فكيف نطالب بوقف برنامج ساخر وندعي أن الدستور يكفل حرية الرأي والتعبير؟، وماذا عن التجاوزات التي توجد في القنوات الدينية والتليفزيون المصري؟، لماذا لا تقوم هيئة الاستثمار بإنذار هذه القنوات أو طلب وقف عرض بعض برامجها؟.
وإذا كانت هيئة الاستثمار تستند إلى وثيقة البث الفضائي العربية لتنظيم قنوات البث الفضائية العربية، فيجب العلم بأن هذه الوثيقة تحتوي على كثير من المواد التي تعطى لأي حكومة عربية القدرة على التدخل فيما تراه غير مناسب لسياستها، من خلال وجود مصطلحات مطاطة، مثل «احترام السيادة الوطنية وعدم التأثير السلبي على السلم الاجتماعي والمساس بالوحدة الوطنية». «فمن يستطيع وضع تعريف دقيق للسلم الاجتماعي أو غيره؟».
كما ينص أول بند في الوثيقة على أن وزير الإعلام هو رئيس الهيئة المستقلة لمراقبة القنوات الفضائية. «فكيف يكون وزير الإعلام المعين عن طريق رئيس الوزراء والذي يقوم بتعيين رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المملوك للحكومة هو من يراقب بحيادية على القنوات الحكومية والمستقلة؟».
لذلك على الجهة المنظمة أن تكون مستقلة إداريًا وماليًا، حتى ننهي حالة العبث التي تمارس على كثير من القنوات، وأن تضع الضوابط للقنوات الخاصة والقومية، وتكون الجهة المختصة بإعطاء تراخيص البث ومراقبة أداء القنوات طبقًا للضوابط، ولديها الصلاحيات في فرض الغرامات ووقف بث القنوات في حالة الخروج عن المهنية أو مخالفة القواعد. كما يجب مشاركة الإعلاميين والأكاديميين ورجال الأزهر والكنيسة في وضع ضوابط البرامج، حتى لا تسيطر جهة واحدة على هذه العملية، وبالتالي تضع ضوابط تحد من حرية الإعلام، وعلى أصحاب القنوات اللجوء إلى القضاء في حالة الشعور بظلم من قبل الهيئة المنظمة.
فوجود هيئة مستقلة بالفعل سيساعد على ممارسة الحرية المسؤولة، وسيحد من وجود رقيب على وسائل الإعلام، يمارس ضغوطه من أجل تقليص الأصوات المعارضة.
إن رفع سقف حرية الإعلام يعد من أهم مكاسب الثورة، فلا يمكن الاستسلام لمختلف المحاولات التي تحاول قمعه أو إسكاته.