لا أعرف سببًا للدهشة التى انتابت الكثيرين وهم يسمعون الأخ الرئيس مرسى «يبشّر!!» الأشقاء فى السودان فى أثناء زيارته الأخيرة، بأن «النهضة» قد وصلت مصر بالفعل، وأنها بدأت تنعم بخيراتها!!
أنا شخصيًّا لم أندهش، وأظن أن الأشقاء فى السودان أيضًا لم يندهشوا، لأنهم جرّبوا هذه الـ«نهضة» على مدى يقترب من ربع قرن وينعمون(!!) بخيراتها.. من تقسيم للبلاد، إلى فقر للعباد، إلى قطع للأيدى وجلد للمواطنين الذين لم يستطيعوا الهجرة والفرار من «نعيم» النهضة!!
المشكلة عند البعض منا. أنهم تصوّروا أن الحديث عن مشروع لـ«النهضة» يعنى التقدّم والإصلاح، ويعنى العدل الاجتماعى، ويعنى الحرية وكرامة الإنسان.
بينما «النهضة» عند الأخ الرئيس مرسى وجماعته وأهله وعشيرته هى ما يتحقّق على أرض مصر منذ أن وصل للحكم.. وبنجاح فاق كل التصورات!!
«النهضة» عندهم هى «التمكين» والسيطرة على مؤسسات الدولة، وتنفيذ مخطط «الأخونة» الذى يتم على قدم وساق.. بدءًا من الحكومة، وحتى الوظائف القيادية والوسطى فى الوزارات والمحافظات، والاستيلاء على منابر المساجد، وعلى تليفزيون وإذاعة الدولة وعلى الصحافة القومية، والسعى لاختراق الشرطة والجيش والمخابرات لكى تكون أدوات لتثبيت الحكم الفاشى وفرضه على الشعب بالقوة!
و«النهضة» عندهم هى تنفيذ ما لم يستطع النظام السابق «إنجازه!!» من سياسات اقتصادية تنحاز إلى الأغنياء، وتسحق الفقراء، وتنبطح أرضًا.
وهى تقبل شروط صندوق النقد، فتلغى الدعم وترفع الأسعار وتضاعف البطالة وتقوم بـ«مرمطة» الجنيه المصرى، وتتسوّل «القروض» بأى شروط ودون أن تعرف كيف سيتم سداد الديون التى تتراكم، حتى أصبح الحكم يشتهر بين العالمين بأنه «الحكم القرضاوى».. نسبة إلى «القروض» أو إلى «القرضاوى»، أو إلى الاثنين معًا!!
والنهضة عندهم هى إقصاء كل مَن يقف فى طريق حكمهم الفاشى.. لهذا تتحوّل المعارضة إلى «أصابع» تعبث داخل مصر!! ويتحوّل القضاء إلى هدف ينبغى تصفيته أو إخضاعه، وتتحوّل الصحافة والإعلام إلى «إخوان للشياطين» لا بد من التخلّص منهم بتلفيق القضايا التى وصلت إلى 600 قضية فى ستة أشهر، وبإغلاق القنوات التليفزيونية، وإحراق الصحف المستقلة، وبفصل الصحفيين ومطاردة الإعلاميين وحصار المدينة الإعلامية، والتهديد بالقتل.. أو القتل فعلًا كما حدث مع الشهيد الحسينى أبو ضيف.
والنهضة عندهم لا يهمها أن تضيع سيناء، ولا أن تعربد فيها عصابات الإرهاب، فهى من الأهل والعشيرة!! ولا أن تختفى «خيبر خيبر يا يهود».
لتحل محلها عبارات المودة إلى «الصديق الوفى» فى إسرائيل، ولا أن تتوارى صيحات «للقدس رايحين بالملايين» لتتحوّل إلى «ساكن قصادى.. وباحبه».. كل هذا لا يهم، بل هو الدليل على أن «النهضة» تسير فى طريقها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!!
بل إن «الغفلة» تصل بالبعض لأن يعتقد أن الطريق إلى النهضة، يتعارض مع التحالف مع الأمريكان الذين كانوا يوصفون بـ«العدو الاستراتيجيى والشيطان الأكبر» قبل أن تتغير الأصول ويصل الإخوان للحكم بدعم واشنطن.. أو -إن شئت الدقة- بقرار منها!!
ولا يعلم هؤلاء أن الحرب خدعة، وأن المهم هو أن يتحقّق هدف «النهضة».. أى «التمكين» أو الاستيلاء على الحكم، والباقى تفاصيل!! بما فى ذلك أن تكون حاكمًا فى دولة قرارها فى واشنطن التى تحولت بفضل مشروع النهضة من «الشيطان الأكبر»، إلى الحليف الاستراتيجى الذى يغنون له «والله واتجمّعنا تانى يا قمر».. إشارة إلى الأيام الخوالى، من التحالف فى الحرب ضد عبد الناصر، إلى التحالف لاختطاف ثورة يناير!!
لم يخطئ الأخ الرئيس مرسى وهو «يبشّر» البشير بأن النهضة قد وصلت إلى مصر كما وصلت إلى السودان قبل ذلك!! وإنما يأتى الخطأ حين لا ندرك أن هذا هو التطبيق العملى لما قاله الأخ الرئيس قبل ذلك، حين أكد أنه يرى ما لا نراه!! إنه يرى «النهضة» فى هذا البؤس الذى لم تعرف مصر له مثيلًا منذ قامت فيها الدولة الحديثة، بينما الملايين من شعب مصر تؤمن أن النهضة لا تتحقق إلا عندما يتحقّق ما طلبته الثورة من خبز وحرية وكرامة.. ولن يحدث ذلك حتى نسقط الفاشية ونستعيد الثورة من خاطفيها!!
وإلى أن يتم، ذلك ندعو الله أن يمنحكم جميعًا القوة والصبر وأنتم تعيشون فى وطن يقاوم ببسالة السقوط نحو الهاوية، بينما الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته ينشدون من القلب: يا ناس يا عسل.. طائر النهضة وصل!!