عندما يصيح منفعلًا كعادته الدكتور محمد مرسى، ويقول إنه قد يستدعى الشعب لثورة ثانية، فالأمر يستحق أن نسأله: وانت كان مالك أصلا بالثورة الأولى، فأنت وجماعتك لم تدعُ إليها ولم تُنادِ بها أساسًا؟ فالرجل الذى لا يعرف شيئا عن الدعوة للثورة الأولى لا يجب أن يثق بقدراته للدعوة إلى ثورة ثانية، خصوصا أنه وجماعته وإخوانه لم يشاركوا فى الأولى إلا متأخرين وانتهازيين، ثم أفشلوها وأفْشَوا فيها الفتنة والانقسام.
ثم يبقى السؤال كذلك: هل سمعتم من قبل عن رئيس عربى يتحدث عن شعبه وإمكانية دعوته إلى ثورة فى خطاب يدلى به فى بلد عربى آخر، لا على أرض بلده حتى ولو مع جالية شعبه (طبعا نحن نعرف أن الحضور فى لقاءات الجاليات مع مرسى مقصور على الإخوان فقط، حيث الأهل والعشيرة وصراخ العقيرة!)؟ هذه من أسبقيات مرسى التى لا ينافسها سوى عطاءات الأخ قائد الثورة الليبية العقيد المرحوم معمر القذافى، الذى كان دائم الدعوة لشعبه للقيام بثورة (ضد مَن؟ مش مهم أهى ثورة وخلاص ونبقى نحدد ساعة ما تقوم هى ضد مين!) مرسى كالقذافى يتصور أنه قائد ثورة، بينما هو عضو جماعة تقود الثورة المضادة.
ثم هو يتخيل أن شعبه معه ويهتم به وينتبه إلى دعواته، وهو أصلا نجح بفارق هَشّ، والبعض يشكك فى الفارق وفى النتيجة، لكنه أيضا فَقَد حتى ما تبقى من مصداقيته بسبب حجم الخطايا وعدد الخطابات التى ألقاها، ومن ثمّ فهو فى حقيقة الأمر يتحدث عن شُعَب (بضم الشين) الجماعة، لا شَعْب مصر.
أريد أن أتعامل بجدية مع دعوة مرسى المزعومة لثورة جديدة، فهى موجهة من السودان، حيث نظام متمسح بالإسلام، فاشل وفاسد وقسّم بلده وأثار فيه الحروب الأهلية، وهو نظام يمثل نموذجا لمرسى هاديا ومرشدا، فكيف باقتصاد منهار وبانقسام شعبى سياسى مريع يمكن أن يستمر حاكم فى حكمه بقوة البوليس والجيش فقط وليذهب استقرار البلد وتقدمه وعدله ورخاؤه فى خرّارة؟! ولهذا فالواضح أن دعوة مرسى إلى ثورة ثانية، كما بشرنا فى خطاب فى غير دولته وأمام إخوان جاليته، هى حل سودانى معجون بنكهة البشير وروح القذافى للتخلص من فشل الرئاسة الإخوانية. وستكون الدعوة طبعا لأعضاء الجماعة وحلفائها من الإرهابيين العجائز غير التائبين، وستكون -كما أعلن- للذين يشوّهون صورة مصر (مرسى مأسور بالنظام السابق، ويفكر كما كان يفكر ويتهم بنفس ما كان النظام السابق يتهمه هو وجماعته به، أكاد أجزم أن مرسى، لا جمال مبارك، هو الوريث الذى حَكَم) وطبعا يَلُوك الإخوان كذلك لبانة أعداء الثورة الذين هم طبعا خصوم مرسى.
لكن، كيف سيقوم الشعب بثورة ضد الشعب؟
هذه هى عبقرية الإخوان فى إشعال الحرب الأهلية، وهذه خبرة السودان فى تدمير الذات.
لكن المحتمَل أن آلاف الإخوان الذين سيخرجون زعمًا بأنها الثورة الجديدة سيذهبون إلى مقر وزارة الدفاع وسيجعلون من الجيش هدفَهم، لإسقاطه وإعلان الثورة عليه، فهو الخصم الحقيقى لجماعة الإخوان، وهو الحائل الهائل حتى الآن أمام التفريط فى الأمن القومى وفتح الحدود لحماس والبشير مَرْتعًا للخلافة الإسلامية المتوهَّمة.
ثورة الإخوان القادمة (إن تمّت) ستكون خيانة موجهة ضد الدولة الوطنية لصالح جماعة لا وطن لها، وضد جيش يمثل قيم الدولة المصرية لصالح ميليشيات وعشائر تحمل السلاح.
لكننى، متوكلًا على الحىّ الذى لا يموت، أضمن لكم هزيمة ساحقة للثورة الثانية، لا تقل سحقا عما جرى للأسف للثورة الأولى.