هل هناك شك فى أن ثورة ٢٥ يناير أبهرت العالم شعوباً وحكومات؟ بالتأكيد لا.. لكن لماذا حال مصر الآن يستدعى الحسرة والرثاء والحزن والإشفاق؟ لماذا حال مصر الآن يثير لدى كثير من أهلها الإحباط واليأس، وفقدان الأمل والشعور بالضياع؟ تعالوا بنا نتوقف لحظات لنضع أيدينا على أصل المشكلة.. على مواطن الخلل.. والحلول بعد ذلك لن تكون مستحيلة ولا صعبة، فلن نخترع العجلة.
كانت لدينا ثورة عبقرية.. شارك فيها الشعب كله.. جميع ألوان الطيف.. الكل كان يأمل فى المشاركة فى بناء مصر على نحو جديد.. كان يتمنى أن يكون له موطئ قدم يحقق من خلاله آماله وأحلامه فى مستقبل مشرق جميل ونبيل.. لكن هذا كله تبخر وتبدد.. حدث ما أفقد الثقة برفاق الأمس.. لم يكن مقبولا ولا معقولا أن تقول للجميع فى لحظة: لم نعد فى حاجة إليكم، حتى وإن كان ذلك عبر صناديق الانتخابات.. لم يكن منطقياً أن تقول لشركاء الوطن: سوف نمنحكم مساحة ما.. لكن المساحة الكبرى لنا.. من نصيبنا.. ألا تؤمنون بالديمقراطية؟! ليس هناك ما يمنع أن تقول ذلك، لكن بعد فترة تأخذ فيها جميع القوى فرصتها فى تشكيل أوعية حزبية قادرة على المنافسة الحقيقية، وبما يثرى الحياة السياسية فى مصر.. فترة يتعافى فيها الجميع.. لكن ذلك - للأسف - لم يحدث.
وصل الإخوان إلى رأس هرم السلطة، لكن على أنقاض دولة خربة، ومؤسسات فيها من مظاهر الضعف والهشاشة أكثر مما فيها من القوة والتماسك.. وبدلا من معالجة كل مؤسسة على حدة، وبأسلوب علمى ممنهج وعلى مهل، دخلوا فى حرب عاصفة وعمياء مع الجميع.. هم دائماً وأبدا فى عجلة من أمرهم.. وهذا سوف تكون له آثاره البعيدة المدى عليهم وعلى الوطن.. بدلا من أن يعطوا الفرصة لإشراك الجميع، إذا بهم يحاولون الاستئثار بكل شىء.. والنتيجة هذا الارتباك والإرباك الذى نشاهده.. لقد وصل الإخوان إلى هذا الموقع فجأة.. دون تأهيل أو تهيئة أو استعداد.. وقبل ذلك وبعده دون رؤية.. هم يتعاملون مع التحديات الداخلية والخارجية بالقطعة، أو بشكل يومى.. لهذا ارتكبوا عددا كبيرا من الأخطاء.. والخطايا.. فى حق أنفسهم وفى حق الوطن.. وتراكم هذا كله.. وفى المقابل، لا اعتذار ولا اعتراف بخطأ، مع أن ذلك ليس عيبا ولا ضعفا.
وصل الإخوان إلى رأس هرم السلطة، وليست لديهم قدرات أو إمكانات لإدارة دولة بهذا الحجم.. لذا لم يحققوا إنجازا.. ومن الصعب أن يحققوا. بسبب ذلك يتعرضون لهجوم.. قذائف مدفعية وسهام، ومن جهات شتى.. وبدلا من مراجعة المواقف، وتصويب النهج، إذا بهم يجأرون بالشكوى، بل يصدرون للآخرين فكرة المؤامرة، وأن الناس جميعا يتآمرون عليهم.. وهذا غير صحيح.. أو على الأقل جزء منه غير صحيح.
عندما وصل الإخوان إلى رأس هرم السلطة أصابهم ذلك بصدمة لم يفيقوا منها بعد.. أهم مظاهرها الشعور بالقوة، القدرة على فعل أى شىء، الخوف من ضياع «الفرصة التاريخية»، والاستخفاف واللا مبالاة حتى بحياة الآخرين.. صحيح أن هذا الشعور يتراجع، وإن قليلا فى بعض الأحيان.. لكن لا يزال عدم إدراك حجم المشكلات قائما.. وهذا أخطر ما فى الأمر.. أشعر بأن الإخوان يتجهون بسرعة فائقة إلى الارتطام بالحائط بنفس السرعة التى وصلوا بها إلى السلطة.
أمام الإخوان مجموعة من الخطوات أرى أنه من الضرورى اتباعها؛ أولا: تحديد هدف واضح فى هذه المرحلة، وأن يعرض هذا الهدف على الشعب بكل شفافية.. لم يعد جائزاً أن تدار الأمور بنفس الطريقة التى كانت تدار بها قبل الثورة.. الاستقرار السياسى وما يتطلبه من شراكة وطنية حقيقية مطلوب بشدة.. التعافى الأمنى وما يستلزمه من هيكلة جادة لوزارة الداخلية ضرورة لا مناص منها.. العدالة الاجتماعية وما تستهدفه من تقليل الفجوة بين الدخول، وفرض ضريبة تصاعدية على رجال المال، ووصول الدعم لمستحقيه الفعليين يمثل حجر الزاوية.. ثانيا: التمهل والتأنى فى إصدار مشروعات القوانين (الانتخابات - الجمعيات الأهلية - الصكوك.. إلخ)، وأن تأخذ هذه المشروعات حظها ونصيبها من الدراسة.. ثالثا: إقالة النائب العام المستشار طلعت عبدالله، وتعيين نائب عام جديد بطريقة قانونية سليمة، وإيقاف عشرات ومئات البلاغات العبثية.. رابعا: تعيين وزارة إدارة أزمات شريطة أن تكون وزارة محايدة أثناء فترة الانتخابات النيابية القادمة.. أخيرا
وليس آخرا، حق الشهداء فى القصاص.