كنا فى الأفراح فى بلدنا حين يلحّ عيّل رخم على المصور الفوتوغرافى من أجل التقاط صورة له فى الفرح، ووقتها كانت أفلام الكاميرات محددة بعدد أربع وعشرين أو ست وثلاثين لقطة «قبل الديجيتال طبعًا»، وكنا نعزّ الصور عن هؤلاء الرخمين المتطفلين فنغمز المصور ونهمس له أن يصوّره أمريكانى، أى مجرد إطلاق الفلاش ومخادعة الرجل حتى يغور ويحل عن المصوّر.
أكاد أجزم أن الشويتين اللى أظهرتهم الإدارة الأمريكية ضد الإخوان وتوبيخ حكم مرسى على الضبط والإحضار وإهدار استقلال القضاء ومحاولة خنق الإعلام، كلها على بعضها شكلها حركة أمريكانى.
إذن فى ثقافتنا الشعبية لا نتورّع عن وصف أى عملية مراوغة أو خداع بأنها أمريكانى، من فلاش الكاميرا التى لا تصوّر إلى انطلاق سيارة بزعيق استعراضى. وفى السياسة يبدو الشغل الأمريكانى أكثر وضوحًا. فالخارجية تتحدّث عن إدانات واستهجانات لسياسة مرسى أولًا بروح دبلوماسية تتمثّل نفس اللغة التى كانت توجّهها إلى النظام السابق، إنها لغة الصديق الرفيق الطيب الناصح الأمين.
ثانيًا، أوباما مُحرج جدًّا أمام الكونجرس والإعلام الأمريكى من تحالفه المخابراتى والأمنى مع الإخوان المسلمين، والذى كان مسؤولًا بنسبة تسعة وتسعين فى المئة عن الشكل والطريقة والنزاهة المشكوك فيها فى الانتخابات الرئاسية التى أدّت إلى إعلان فوز مرسى «المسخرة الغامضة فى عملية تزوير استمارات التصويت فى المطابع الأميرية ستظل تلاحق هذه الانتخابات بالشك والريبة فى كتب السياسة والتاريخ».
إذن أوباما الحليف الأمريكانى للإخوان، وجد نفسه محرجًا ومزنوقًا أمام الفشل الإخوانى الهائل فى إدارة شؤون البلاد، وعرى وهم قوته التى أغوت الأمريكان بالتحالف معهم، فالبلد تحت ولاية الإخوان فى حالة فوضى وانفلات وعلى حافة خطر لا يدركها طبعًا مكتب الإرشاد المعمى بخزعبلاته، بينما يدركها أى صاحب بصيرة أو صاحب قمر صناعى مطّلع على المسطح المصرى جغرافيًّا وسياسيًّا، ثم الانكشاف الكامل لاستبداد وطغيان وجهل هذا الحكم، وقد أكل الإعلام الأمريكى وجه رئيسه وإدارته وخارجيته، وبدت وجاهة ضغط نواب الكونجرس «رغم إجازته» وبرموز الحزب الجمهورى على أوباما، فما كان من إدارته إلا أن سارعت بإطلاق هذه التصريحات التى تستهلك بها الوقت ولا يظهر أوباما معها أمام الجميع شاهدَ زورٍ وحليفًا متواطئًا. لكن القصة كلها أمريكانى. فلاش مزيّف لصورة غير حقيقية، بينما الواقع أن أوباما لا يزال على غرامه وعهده ووعده وصفقته مع الحليف الإخوانى، ولا يهمه لا حرية ولا ديمقراطية ولا عدالة ولا باذنجان. ما يهمه أنه ضامن أن النظام الإخوانى يسمع الكلام ويطيع التعليمات وينفّذ الأوامر ويحفظ أمن إسرائيل.
طبعًا يمكن أن يتخلّى أوباما عن حليفه الإخوانى المستبد، كما تخلّى من قبل، لكن سيحدث هذا حين يتأكد أنه أكثر جهلًا مما يحتمل، وأكثر كذبًا مما يتوقّع، وأكثر فشلًا مما يطيق!