عندما انفتحت الطاقة أمام ثروت الخِرْباوى وأخذت تنكشف أمام عينيه أسرار جماعة الإخوان المسلمين، بعد سنوات من العضوية والنشاط تحت مظلتها، هاله الأمر وأحسّ بثقل عبء الكتمان وبمسؤولية إظهار الحقيقة للرأى العام، فكان كتابه الجدير بالقراءة والتأمل: «سرّ المعبد- الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين».
يأخذك الكتاب من سطوره الأولى لما فيه من جدية ودأب فى جمع المعلومات وتدقيقها ثم عرضها بأسلوب جميل ولغة مُحْكَمة وإخلاص وكأن الكاتب يتطهر بالكتابة.
تلحّ عليه الأسئلة وتؤرقه: لماذا يكذب الإخوان؟ لماذا يقولون مالا يفعلون؟ وقد صُدم عندما ضبط أحد المرشدين السابقين متلبسا بالكذب الصراح على صفحات الصحف، فتصدى له وأفحمه بالوثائق، وينقل عن أحد زملائه الذين تحرروا من الجماعة قوله: «لقد رأيتهم وهم يتحدثون فى التليفزيون، فرأيت الكذب يقفز قفزا».
وسَجَّل كيف يجرى التزوير فى الانتخابات داخل الجماعه لاختيار من يمثلهم فى الانتخابات الخارجية، فيسقط فى نتيجتهم الرسمية من حصل على أعلى الأصوات، وينجح من لم يحصل سوى على صوته فقط! ووصل إلى القاعدة العامة التى باتت تحكم الجماعة منذ أن سيطرت عليها مجموعة سيد قطب، وهى أنه لم يرتفع أحد فى تنظيم الإخوان إلا إذا كانت له نفسية عبد، فالإخوان يرغبون فى «رصّ» الإخوة فى أرفف الجماعة بحيث لا يتحركون ولا يفكرون إلا بالأمر وبنفس الطريقة التى حددوها لهم فى الكتالوج.
ووصل إلى نتيجة أن جماعة الإخوان، أو بالأحرى أى جماعة سرية، لا تعرف كيف تمارس الاختلاف فى الرأى بل تعتبره ذنبا كبيرا، الجماعة السرية هى جماعة «إلغاء العقول».
وعرف، بعد أن التحق بالجماعة بسنوات، أن المؤسس حسن البنا لم يستكمل حفظ القرآن، لأنه وجد طريق العلم ليس طريقه، ولكن طريقه، كما كان يقول، هو صناعة الرجال، وقيل عنه إنه رفض أن يؤلف الكتب لأنه كان يريد أن يؤلف الرجال.
ولكن، وبرغم أن البنا لم يكن فقيها، وهو أمر يعرفه قادة الجماعة، إلا أنهم يعتصرون عباراته التى وجهها فى تعاليمه إليهم، ويستقطرون العصارة، فيكتشف الدارس المتفحص أن بذرة العنف كانت كامنة فى نصوص البنا، بما يؤكد أن تأسيسه للنظام الخاص الذى تولى تصفية الخصوم بالاغتيال كان له أساس نظرى عند البنا ولم يكن تورطا فى الفعل.
ويقول أيضا إن فكر التكفير كان مختبئا فى ضمير حسن البنا لم تظهر منه إلا بعض فلتات، ولم يكن سيد قطب أول من ابتدع جاهلية المجتمع والانعزال عنه، كما لم يكن شكرى مصطفى منتجا لأفكار خاصة وهو يدعو إلى هجرة المجتمع الكافر، ويقول الخرباوى إنه سمع من زعامات فى الإخوان أنهم يعتبرون شكرى مصطفى واحدا منهم، ولكنهم تعمدوا التمويه على آرائهم الحقيقية.
وهم يدارون أيضا عقيدتهم الخاصة فى قضايا كثيرة مهمة خاصة فيما يتعلق بغير المسلمين، فيؤكد الخرباوى أن فرض الجزية عليهم هو رأى راجح لدى الإخوان.
وهم يخبئون أيضا خطتهم عن التمكين التى تقوم على السيطرة على الجيش والإعلام والقضاء، ويقول إنه قد اتضح أنهم قطعوا بالفعل أشواطا فى طريق تنفيذ هذه الخطة.
وكان هدفهم الذى رصده الخرباوى قبل سنوات هو الرغبة فى التقارب مع الغرب وأمريكا على وجه الخصوص، وفتحوا قنوات الاتصال وجرت لقاءات وحوارات، وكانت شروط أمريكا واضحة أن الإخوان إذا وصلوا إلى الحكم سيعترفون بإسرائيل وسيلتزمون باتفاقيات السلام معها، وكل هذا يقوم به نفر محدود وفى تكتم شديد حتى على أعضاء مكتب الإرشاد!
وكان واضحا أنهم سيستخدمون النوافذ المتاحة لا ليبحثوا عن حريتهم ولكن ليصلوا إلى حكم البلاد، فيكون التنظيم الحديدى الذى يطوى فى داخله أسرارا لا يعلم عنها أحد شيئا قد وصل إلى الحكم لا بالاستقواء بالشعب ولكن بالاستقواء بأمريكا.
وقد أفرد المؤلف صفحات طويلة لتشابه الإخوان مع الماسونية فى بناء التنظيم وفى احترام التراتبية والطاعة، كما تناول أيضا أثر تجربة عبدالعزيز آل سعود وتبنى الإخوان للمذهب الوهابى، حتى صارت الجماعة تنظيما سريا لا يعلم عنه الشعب شيئا، وحتى أغلب كوادره لا يعلمون إلا ما تعلنه لهم القيادة القابعة وراء سور حديدى لا يُخترَق.
وقد فضّل الخرباوى أن يتدفق السرد فى «فورم» أقرب إلى السيرة الذاتية بلسان الراوى، وتعمد تشويق القارئ بتقديم إشارة إلى شخص أو فكرة ويعد بالإفصاح لاحقا. ففى ص 96 جاء أول ذكر لشاب أبيض الوجه أسود الشعر ذى نظرة عميقة متفرسة ووجه غاضب حاد مفروق الشعر من المنتصف، ثم كرر ذكره بهذه الصفات عدة مرات، ولكنه لم يكشف إلا فى ص 192 عن أنه الرهيب شكرى مصطفي!