من خلال الجهود المبذولة من أطراف مصرية عديدة للبحث عن نقطة التقاء بين الرئيس وجماعته من ناحية والمعارضة المصرية من ناحية ثانية، تم التوصل إلى القضايا الخلافية التى إذا ما تم التعامل معها، أمكن التوصل إلى تسوية سياسية للصراع المحتدم، وذهب الجميع إلى الانتخابات البرلمانية الجديدة التى سوف يقرر الشعب المصرى خلالها من القُوى التى سوف تتولى تشكيل الحكومة والتحكم فى أغلبية أو أكثرية مقاعد مجلس النواب الجديد. بدا واضحا أن القضايا الخلافية تمثلت بالأساس فى تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة محايدة، حكومة إنقاذ وطنى حقيقى تتولى وضع خطة متكاملة لوقف التدهور فى كل المحالات، وتضع سياسات تتسم بالتوازن والاعتدال، ولا يخشى معها القيام بعمليات تزوير للانتخابات لمصلحة أى فصيل سياسى، وجرى التأكيد على أن مجرد رحيل حكومة هشام قنديل سوف يحقق المطلوب أولا، وهو حالة التهدئة بين القوى السياسية المختلفة، فسوف يرحل قنديل، كخلية إخوانية كانت نائمة والآن جرى تنشيطها، ومعه عدد من الوزراء المنتمين للجماعة وبمجرد الرحيل يتحقق المطلوب أو على الأقل تحدث التهدئة الأولية اللازمة لبدء أى حوار حقيقى.
القضية الثانية هى قضية النائب العام «الخاص للجماعة» المستشار طلعت عبد الله، فهذا الرجل يعد وصمة فى تاريخ القضاء المصرى وتحديدا فى ما يخص منصب النائب العام، فالرجل قبل تقلد المنصب فى عملية اعتداء على السلطة القضائية ومخالفة الدستور والقانون، بل وتقاليد القضاء، ومنذ تقلده للمنصب بات بمثابة سوط الجماعة فى مواجهة خصومها السياسيين، يتلقى طلبات الاستدعاء والتحقيق وأيضا التهمة الموجهة، جاهزة من مكتب الإرشاد ويقوم بتوجيهها لمن تريد الجماعة اتهامه. لم يتوقف أمام عدم اكتمال أدلة الاتهام بحق بعض النشطاء والسياسيين، قام باستدعائهم ولم تكن لديه اتهامات محددة بحقهم كما حدث مع علاء عبد الفتاح. أيضا تولى نائب عام الجماعة إرهاب الإعلاميين عبر سياسة مبرمجة لإرهاقهم نفسيا وبدنيا وماليا من خلال استدعائهم أكثر من مرة للتحقيق فى اتهامات مختلفة وشكاوى مقدمة من أشخاص مختلفين بتهم عامة جدا من قبيل الإساءة للإسلام، إهانة الرئيس. وصدر حكم محكمة الاستئناف ببطلان قرار الرئيس بإقالة النائب العام الدكتور عبد المجيد محمود، ومن ثم بطلان قرار تعيين نائب عام الجماعة، وهنا لم يتوقف لا النائب العام ولا الرئيس أمام الحكم وقررا الطعن عليه. كشفت جلسات الحوار والاتصالات بين القوى السياسية المختلفة عن شكوك قوية لدى المعارضة فى تزوير قاعدة بيانات الناخبين، سواء بوجود موتى ضمن المصوتين أو غيره، وعادة ما تؤخذ أصواتهم لمصلحة الحزب الحاكم، كانت من نصيب الوطنى المنحل، والآن باتت من حصة «الحرية والعدالة» وهناك دعوى منظورة أمام القضاء المصرى تطالب بمراجعة كشوف الناخبين لضمان مطابقتها بقواعد بيانات الرقم القومى. هذه القضايا الثلاث باتت هى محور الخلاف ومفتاح الحل، المطلوب هو حكومة جديدة للإنقاذ الوطنى، تتولى وقف التدهور وتطبيق القانون وإعادة الانضباط إلى الشارع ولا تستسهل قرارات رفع الأسعار، وتضع مصر على أول طريق الاستقرار لحين إجراء الانتخابات البرلمانية فى أكتوبر القادم، وعلى أثر نتائجها سوف تتشكل الحكومة. يترافق مع ذلك إقالة النائب العام أو قبول استقالته وتطبيق النص الخاص بتعيين النائب العام فى الدستور الجديد، والذى يقول بترشيح ثلاث شخصيات من قِبل مجلس القضاء الأعلى، يختار الرئيس واحدا منهم، وأخيرا فتح الطريق أمام مراجعة كشوف الناخبين من أجل طمأنة القوى السياسية المختلفة بعدم وجود تزوير فى قاعدة البيانات وتحقيقا للشفافية المطلوبة. فجأة أعلن رئيس الجمهورية أن النائب العام باق فى منصبه وحكومة قنديل مستمرة فى عملها، وخرج المرشد السابق مهدى عاكف ليقول لنا مرسى باق رغم الأنف، والأخونة مطلوبة لتحقيق مشروع النهضة، فلا نهضة بدون أخونة!!
المؤكد أن الجماعة ومكتب إرشادها تحديدا لا تريد حوارا ولا تهدئة مع المعارضة، تريد إنهاك المعارضة وإرهاق الإعلاميين وكسر إرادة الشعب، فيرضخ الجميع للجماعة وحكمها، يستسلمون لذلك باعتباره قدرا مكتوبا عليهم، ولا يكون أمامهم سوى اللجوء إلى الدعاء والابتهال إلى الله كى يرفع هذه الغمة عن البلاد. نعم الشعب المصرى البسيط يبتهل إلى الله لرفع الغمة، لكنه فى الوقت نفسه يواصل النضال مهما كلفه ذلك من ثمن لتحقيق ما يصبو إليه المصريون من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، بعد أن حشر الإخوان أنفسهم تحت هذه اللافتات ثم سرقوا الثورة ومعها أحلام شباب مصر، مرسى وجماعته لا يريدون تهدئة ولا تسوية، يريدون خطف مصر لتكون مجرد حلقة فى مشروعهم الأممى، لذلك لا بد من استعادة زخم الثورة وقطع ما تبقى من مسافة على طريق تحقيق شعارات الثورة المصرية.