تعيش مصر منذ قرابة ثمانية أشهر فى كذبة هى أن مرسى هو الذى يملك السلطة فى حكم مصر بينما فى الحقيقة مكتب المرشد بديع هو الذى يصدر أوامره والآخرون عليهم السمع والطاعة، لهذا مرت الأيام الأولى من الشهر دون أن يتبادل الناس كذبة أبريل لأنهم فى الحقيقة يعيشونها قبل أكثر من سبعة أشهر.
تعودنا فى كل سنة أن تُطلَق واحدة يصدقها الناس وبعد ذلك تبدأ مرحلة تكذيب الكذبة.
فى العام الماضى قالوا إن عادل إمام يستعد لأداء دور مبارك فى فيلم يتناول حياته وأكدوا أن الفيلم ينصف مبارك، وبعد بضعة أيام اضطُرَّ عادل إلى التكذيب كما أن جريدة «عين» التى أطلقت التشنيعة نوهت بأنها كذبة، ولكن النهم الصحفى كان هو الدافع لكى يلهث الزملاء وراء السبق أو ما اعتقدوا أنه سبق.. قبل ثلاثة أعوام تَورَّط بعض الصحف والبرامج وصدَّق كذبة أبريل التى شاركت فيها صباح مع كوافيرها الخاص جوزيف غريب وأعلنا فيها زواج صباح للمرة التاسعة أو العاشرة؛ لم أُحصِ العدد على وجه الدقة. تورط الصحافة والتليفزيونات العربية أسهم فى ذيوع الخبر وانتشاره وبالتالى نجاح اللعبة، إذ رددوا كلمات الزوج، أقصد الكوافير، الذى صرح قائلًا «صبوحة هى حلم حياتى، من يقترب منها مقتول مقتول».. كما أن صباح أفاضت فى البوح بتأجج مشاعرها وهى تقول «لأول مرة أرتدى فستان الفرح الأبيض» وهى تتغزل فى عواطف جوزيف الملتهبة التى ملأت عليها الدنيا.. ثم اكتشفنا أن صباح وجوزيف بالاشتراك مع طونى خليفة المذيع اللبنانى الشهير كانوا يلعبون «عريس وعروسة» وأن هذه مجرد دعاية لمجلة فنية يرأس تحريرها طونى. إنها حالة قد تحبها أو ترفضها، قد تراها سخيفة أو تضحك لها ومنها وعليها.. أنا شخصيًّا ضحكت مع صباح وشعرت بأن الشحرورة وهى تقترب من التسعين لا تزال تعيش الحياة.. إن تمتع الإنسان بروح الدعابة هو أحد مظاهر الصحة النفسية، والصبوحة لا تزال لديها هذه الروح.
أشهر كذبة أبريل فى الوسط الفنى والتى لا يزال يتذكرها البعض هى تلك التى أطلقها الصحفى الراحل نبيل عصمت فى عام 74 قبل رحيل عبد الحليم بثلاثة أعوام على صفحات جريدة «الأخبار» وفى بداية تألق هانى شاكر حين كتب نبيل أن عبد الحليم سوف يكشف أن هانى يضع زمارة فى حنجرته تجعله يقترب فى الأداء من تقليده وأنه سيفضح كل ذلك فى جلسة علنية تُعقَد فى معهد الموسيقى العربية الذى يقع على بعد خطوات قليلة من جريدة «الأخبار»، وجاء المساء وذهب الجمهور بالآلاف إلى المعهد فاكتشفوا الخديعة.. كان نبيل عصمت قد كتب فى أعلى الصفحة إشارة يقول فيها «اليوم أول أبريل.. لا تصدق كل ما يقال لك فى هذا اليوم»، وصدَّق الناس زمارة هانى شاكر. ولم تكن كذبة مجانية، بل كان المقصود من ترويجها تلميع هانى شاكر وإظهار مدى خوف عبد الحليم من نجومية هانى، بينما أثبت الزمن أن مكانة حليم لم يصل إليها أحد.
ومن بين الأكاذيب تلك التى أطلقها الثنائى أبو لمعة الأصلى مع الخواجة بيجو فى إذاعة صوت العرب خلال منتصف الستينيات حيث أذاعا أن «يوم القيامة غدًا»، وحدث ذعر بين المصريين رغم أن الخواجة وأبو لمعة مشهوران بالكذب، وتَدخَّل أمن الدولة وكاد يزجّ بالثنائى الشهير فى السجن بتهمة تكدير السلم الوطنى لولا أن عبد الناصر وقف التحقيقات.
لا أحد يستطيع أن يقول وهو مرتاح الضمير أنه لم يكذب يومًا فى حياته، ولكن الكذب أحد أسلحة البقاء للفنانين، لهذا مثلًا كثيرًا ما يبالغون فى إيرادات أفلامهم وأرقام بيع أشرطتهم، لا أحد يعترف أن فيلمه الأخير حقّق إيرادات أقل من فيلمه السابق أو أن الناس لم تُقبِل على شراء شريطه الغنائى الأخير، دائمًا ما يعلنون أن المؤشر فى صعود ويبالغون فى أجورهم، إلا أنهم أمام الضرائب بالطبع يخسفون بهذه الأرقام الأرض. الكذب جزء من الخبز اليومى لقطاع وافر من الفنانين.
ونعود إلى الكذبة التى يعايشها المصريون فى ظل حكم الإخوان، وأقول لكم مع الأسف إنها ليست كذبة أبريل 2013، لأن الجميع يدرك أن المرشد هو الذى يحكم، بل هو الذى يلقّن الرئيس.. «القصاص.. القصاص»!