تريد أن تعرف كيف يحكمنا مرسى؟
كيف يفكر؟ أو بالأحرى كيف لا يفكر؟ فهو كأى إخوانى يترك التنظيم يفكر له، ويخطط ويدبر «ويتآمر» ويعتدّ ويشتد ويعند ويتغطرس فينتهى بنا الأمر إلى بلد يخربه حكم الإخوان، بينما ينكرون فشلهم ويُمعِنون فى الغَىّ والبغى.
لماذا يحكموننا بهذا الشكل؟
لأنهم لا يعرفون شكلا غيره، ولم يتعلموا أبدا أن يغيِّروا أو يتغيروا.
وللحصول على إجابة شافية عن هذه الأسئلة يجب أن تقرأ نَص استقالة من الجماعة قدَّمها أحمد بان، وهو عضو إخوانى كان مسؤولا عن شعبة وعضوا بالمؤتمر العام لحزب الحرية والعدالة، يقول فى نَص استقالته:
«إن انخراطى فى الجماعة كل هذه السنوات سطّر فى عقلى بعض الثوابت المزعومة التى لا سند لها من عقل أو شرع، ولكنه التنظيم الذى يشرّع والناس تسمع وتطيع، وبقدر التفانى فى الالتزام بالأوامر فى المنشَط والمَكْرَه بقدر الترقّى فى هذا التنظيم».
ويمضى فى استقالته: «إن تجربتى مع تلك الجماعة دفعتنى فى بعض فصولها إلى رهْن عقلى لدى التنظيم ومغالطة نفسى فى معانٍ أساسية، لا أبقى معها إنسانا عاقلا حُرًّا».
ها.. خدتم بالكم من أن الرجل أدرك أن الجماعة تجعله يرهن عقله ويغالط نفسه، بل ويتخلى عن حرية العقل لصالح السمع والطاعة. تعالَ لنكمل، وهو يسأل جماعته عن الولاء للدين والوطن: «فأين يقع الولاء لجماعة أو تنظيم من ذلك، وإن تعارضت الولاءات فماذا أقدّم؟! بالطبع دينى ووطنى، ولكن يأبى التنظيم...
الجماعة تنظيم مدنى، فكيف تحوّل إلى تنظيم عسكرى، يقدِّم الناس ويؤخِّرها بقدر السمع والطاعة للتنظيم فى المَكْره والمَنْشط؟ إن فكرة التنظيم الهرمى التى اعتمدتها الجماعة والتى تجعلها مؤخرًا جسمًا ضخمًا قوامه الآلاف، يدير عجلته عددٌ لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ثم إهدار قيمة المراجعة فى الأفكار والسياسات والرؤى، تعنى أن الجماعة إما مجموعة من الملائكة لا يخطئون، وإما مجموعة من الأموات لا يملكون أن يخطئوا أو يصيبوا..
إهدار الرقابة على التنظيم بخنق مؤسسات الشورى وجعلها تحت هيمنة التنظيم، وحين تغيب الرقابة على كيان بهذا الحجم به مؤسسات وأموال تستطيع أن تتوقع حجم الفساد المالى والإدارى، فالبشر عموما والإخوان منهم فى ظل غياب الرقابة قد يفسد بعضهم».
ويكمل أحمد بان فى استقالته رصد الإهدارات التى تتورط فيها تلك الجماعة التى، للأسف الأسيف، تحكمنا الآن، فيقول: «إهدار قيمة الحوار داخل الجماعة والضِّيق بالنقد والمعارضة بما يعكس عدم الإيمان بقيمة الديمقراطية أو حتى الشورى التى يحتفظون بتعريف خاص لها لا يعرفه غيرهم.. توسيد الأمر إلى غير أهله، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
وعندما يُوسَّد الأمر إلى غير أهله يخرج أهله من الجماعة، وتصبح الجماعة وسطا طاردا للكفاءات من كل لون، وأصبحنا نردد: يَسَعُ الفرد ما لا يسع الجماعة، فإذا خرج كل فرد فماذا ستسَع الجماعة..؟».
ويلخص المأزق فى نهاية استقالته: «يعلم ربى أننى لا أغادر الجماعة رغبة أو رهبة، بل أغادرها وهى على شفا التمكين وملء السمع والبصر.
أغادرها لأنتقل من سقفها المنخفض دعويا وتربويا وسياسيا إلى فضاء الوطن الواسع بمؤسساته التى أريد أن أشارك فى بنائها بوعى وانفتاح.
أغادر الجماعة، لأننى أرى أنها غير جادة فى تحقيق استقلال وطنى حقيقى أو الانحياز إلى مشروع مقاومة حقيقى للهيمنة الغربية، وقد سيطر على إدارتها مَن يفكر بعقلية مدير الشركة، تماما كما أدار النظام السابق مصر بمنطق الشركة، لا بمنطق الدولة، فقد تماهت الجماعة مع النظام السابق وأُصيبت ببعض أمراضه للأسف.
كيف أتعايش مع جريمة الجماعة فى حق الوطن، عندما حضرتْ للثورة متأخرا وانصرفتْ مبكرًا وغلّبت منطق الصفقات التى أدمنها التنظيم الذى لا يقل براجماتية عن أى حزب من الأحزاب التى نعرفها».
انتهت الاستقالة ولم تنتهِ العِبَر لمن يعتبر، فهذه جماعة تذهب بنا إلى هُوَّة وتهوى بنا إلى نهاية.
كى تتأكد من فداحة مأساتها عليك أن تعيد قراءة سطور الاستقالة من الأول.