أصبح محمد مرسى تحت مرمى نيران سخرية المصريين من خلال زخات يرسلها الشعب تتوجه مباشرة إلى أعلى سلطة. مرسى هو الذى يقدم إلينا فى كل حوار أو خطاب له مادة تُثير الشهية لمزيد من السخرية، كلمات من نوعية «أصبع» و«حمامة» و«ركبكم» و«أهله» و«عشيرته» و«توك توك» و«ثعبان» و«قرداتى»، لا يتم الرد عليها إلا بالسخرية، كما أنه لا يكتفى بالألفاظ وينتقل إلى التعبير الحركى، ينظر إلى ساعته فى اجتماع رسمى أو يعبث بأعضاء حساسة من جسده فى اجتماع آخر، أو يضع قبعة باكستانية فوق رأسه، كل مرة يرتكب واحدة تدفع الخيال إلى الرد عليه بواحدة أكثر سخونة. لم يسلم رئيس ولا ملك من تهكم المصريين، حتى إن جمال عبد الناصر بعد نكسة 67 كانت تصله بعضها، وطلب مباشرة من كل من الكاتب أنيس منصور والشاعر مأمون الشناوى، باعتبارهما قد تخصصا فى إطلاق وذيوع النكت بعد الهزيمة، على أن يتوقفا حتى لا يصيبا الجيش المصرى بالإحباط، وهو ما تفهمه أنيس ومأمون.
المصريون هذه المرة مع مرسى ليسوا بحاجة إلى عوامل خارجية للسخرية. الرجل مع أهله وعشيرته يحاولون أن يجدوا ما يشعرهم بالأمان، ولهذا يصبون كل مشاعر الغضب ضد الإعلام العميل الذى يهين الرئيس، ولا بأس من أن يصدروا ذلك إلى الناس، ولكن المأزق هو أن المواطن الذى يرى الظلم والظلام يحيط به من كل جانب لا يمكن أن يتعاطف مع رئيس جمهورية ليس لديه سوى دائرة محدودة تقتنع به، بينما الحدود الدنيا من أساسيات الحياة فى توفر الأمان الاجتماعى والاقتصادى والشخصى غير متوفرة فى الشارع، ولهذا تسقط كل محاولات إنقاذ الرئيس من القنابل المسيلة للسخرية.
الإنجاز فى الشارع فقط هو السلاح الوحيد الذى كان من الممكن أن يقهر به مروجو الشائعات الذين يشيعون أن كل شىء فى تراجع، الحقيقة الوحيدة التى لا يختلف عليها أحد هى أن الإنجاز الوحيد لمرسى أنه نجح فى تحقيق معدلات غير مسبوقة فى تردى الأوضاع وعلى كل المستويات. تقديم باسم يوسف للمساءلة القانونية بتهمتى ازدراء الأديان وإهانة رئيس الجمهورية وقبلها عدد من الإعلاميين والنشطاء يشير إلى أن الرئيس نجح أخيرا فى القبض على الأصابع التى تلعب داخل مصر، وكأنه يريد أن ينفرد باللعب لوحده.
الدنيا تغيرت.. الرئيس بات أضعف من أن ينزل العقاب بأحد، القانون الذى يعتقد أنه يحميه هو نفسه الذى قال له إن تعيينه نائبه العام، أقصد الخاص، باطل، وهو الذى سيقول له إن السخرية من أى شخصية عامة من أصغر موظف إلى رئيس الجمهورية ممكنة ما دام أنها فى إطار النقد المباح، وما شاهدته فى البرامج من سخرية يقع فى الإطار المسموح. الرجل يعتقد أنه من الممكن أن يكمم الأفواه ويغلق القنوات أنه عشم إبليس فى الجنة.
مرسى يعين رؤساء تحرير الجرائد القومية، ويتحكم فى إعلام ماسبيرو، يفعل كل ذلك من أجل تحسين صورته، بينما الصورة تزداد قبحا، لديه قنوات دينية خاصة تشيد به وبإنجازاته، الواقع ليس به إنجازات ولا يحزنون، الحقيقة أن به فقط يحزنون.
هل الإعلام الرافض لحكم مرسى وعشيرته يجمعهم نفس الهدف؟ الحقيقة هى أنه قد تختلف المشارب، بعضهم تربطهم بدولة فساد مبارك مصالح، ربما هناك من يضع شفيق هدفا أمامه ويتصور أنه من الممكن أن يعود به لصدارة المشهد. كل هذا نراه، ولكن فى نهاية الأمر مصر سوف تنتصر. مصر التى رفضت حكم مبارك لا يمكن أن تستعيد شفيق، ولا ترضى بعودة حكم العسكر، ولكنها ترفض بكل قوة الحكم الدينى، مصر دولة مدنية، ومن يراهن على غير ذلك يعيش خارج الزمن.
مصر لديها سلاح قادر على الفتك بكل الأصابع التى تريد أن تعبث بها، وأى رئيس جمهورية يخرج عن الخط سيلقى نفس المصير، إلا أن الفارق هو أن مرسى بكلماته وأفعاله يلعب دورا رئيسيا فى تهيئة المناخ لزيادة مساحة السخرية.
أسقطت الثورة هالات القدسية، نعم إهانة رئيس الجمهورية مثل إهانة أى شخص مرفوضة ومجرمة قانونا، ولكن السخرية مباحة ما دام ارتضى الإنسان أن يختار منصبا عاما عليه أن يعرف القاعدة، وهى أن عسل السلطة لن يحميه من لدغات النحل، ومرسى سيظل يتجرع العسل المر حتى يغادر السلطة!!