كان «محمدين المراسي» إبناً باراً بأبيه الذي كان يعمل «قرداتي» وأمه بائعة «البليلة»، وكان في النهار يذهب إلى المدرسة ومساءاً يساعد أبيه في عمله حتى تعلم المهنة بسرعة لأنه كان يحب القرد، ورغم المعاناة التي عاشها «محمدين» في حياته بسبب الفقر كان متفوقاً في دراسته.. لكن حدث ما لا يحمد عقباه، فحين وصل إلى الخامسة عشر من عمره مات أبيه وأصبحت الحياة مستحيلة، فلم يجد أمامه إلا أن يسير على خطى أبيه ويمتهن مهنته ويستمر في دراسته وكان هذا محل إعجاب واحترام من أهل قريته الصغيرة، حيث أنه هو الوحيد من أهل القرية الذي دخل كلية الهندسة، وفي العام الثاني في الجامعة حدثت مصيبته الكبرى حيث مات القرد الذي كان هو مصدر الرزق الوحيد بعد أن مرضت أمه وعجزت تماماً عن الحركة.
فكر «محمدين» لأول مرة أن يترك الجامعة ويعمل في الورشة الميكانيكية التي عند مدخل القرية وبالفعل إنقطع عن الذهاب إلى الجامعة لمدة إسبوع، وأصبح أهم صبي ميكانيكي في الورشة، لكن أحد أصدقائه في الجامعة وكان من قرية قريبة من قريته ذهب كي يطمئن عليه حيث لم يحدث من قبل أن محمدين تغيب يومًا واحداً عن الدراسة، وحين فاجأه محمدين بما حدث له إصطحبه معه إلى المدينة بحجة زيارة صديق مريض، على الفور ذهب «محمدين» معه واستطاع هذا الشاب أن يقنعه بكل وسائل الترغيب بالإنضمام إلى جماعة «الأصدقاء المتدينين» فهم يساعدون كل من ينضم إليهم إن كان محتاجاً نظير أن يسمع ويطيع الأوامر ويدعوا الناس للإنضمام إلى هذه الجماعة، فما كان أمام «محمدين» خيار أخر سوى الموافقة، وبالفعل عاد «محمدين» إلى الجامعة وأكمل دراسته وتفوق حتى أصبح مدرس مساعد في الجامعة وبلغ أيضاً أعلى المناصب في «جماعة الأصدقاء المتدينين» حيث قد كان ملتزماً بكل التعليمات ومطيعاً للأوامر دون جدال أو حتى نقاش.
تزامنت ذكرى ميلاده الخمسين مع الإنتخابات الرئاسية في بلده «جمهورية نصر العجمية» وقررت «جماعة الأصدقاء المتدينين» أن يكون لها مرشحاً للرئاسة ووقع الإختيار الداخلي للجماعة على «خيري الفالح» الرجل الثاني في قيادات الجماعة، وفوراً بدأت الدعايا الإنتخابية وأصبحت صور «خيري الفالح» في كل مكان من ربوع الجمهورية وكل يوم مؤتمر إنتخابي في مدينة أو قرية، لكن حدثت الطامة الكبرى لـ«خيري الفالح»، حيث رفضت أوراق إنتخابه لأن أمه كانت حاصلة على جنسية دولة أجنبية، فما كان من الجماعة أن إختارت «محمدين المراسي» للدخول مكانه في السباق نحو كرسي الرئاسة، وعلى وجه السرعة وضعوا صور «محمدين» فوق صور «خيري» وبدأ «محمدين» بصحبة «خيري» عقد المؤتمرات الإنتخابية التي كان «خيري» يفتتحها بكلمته ثم يترك الميكروفون لـ«محمدين» كي يكمل، لكن الناس لم تكن مقتنعة بـ«محمدين» قدر ما كانت مقتنعة بـ«خيري»، حيث أن «خيري» صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الجماعة منذ سنوات والناس كانت تسمع إسمه باستمرار لكن «محمدين» لم يكن يعرفه معظم الشعب قبل ذلك.
حدثت المفاجأة حيث جاءت جولة الإعادة في الإنتخابات بين «أحمد رفيق» أخر رئيس وزراء في عهد الرئيس الراحل «حسن مبروك» الذي كان يكرهه الشعب لطغيانه وبين «محمدين المراسي» الذي يخشى منه الشعب لأنه مرشح جماعة يعلم الشعب أنها لا تبحث إلا عن مصالحها، وظل «محمدين» يتوسل إلى الشعب ويعدهم بوعود كبيرة كي ينتخبوه، وكان الشعب فعلاً يريد التغيير ولا يريد عودة نظام الراحل «حسن مبروك» في صورة «أحمد رفيق» وعصروا على أنفسهم الليمون والزيتون والخروع والكافور وذهبوا إلى صناديق الإنتخابات ليختاروا «محمدين مرسي» ليكون رئيساً لجمهورية نصر العجمية.
هكذا تتحقق المعجزات دائماً في جمهورية نصر العجمية .. فمن كان يصدق يوماً أن موت القرد سيكون سبباً لأن يكون القرداتي رئيساً للجمهورية !؟!