لم يتحرك الحكم فى مصر بشأن قضية المرأة، إلا بعد أن أصبحت فضيحته بجلاجل!! فمن حرمان للحقوق فى الدستور، إلى محاولات لتقنين زواج الأطفال، إلى امتهان لكرامة المرأة، إلى محاولات لمنعها من المشاركة فى مظاهرات الاحتجاج ضد الحكم، وصلت إلى قمة الانحطاط بعمليات التحرش والاغتصاب على أيدى فرق مدربة وفى عمليات تم التخطيط لها، وربما أقنعوا منفذيها -بالخداع والزيف- أنهم بهذا العمل الدنىء يؤدون واجبهم نحو حماية الحكم، ومن أجل تطبيق شرع الله!
بعد أن أصبحت الفضيحة بجلاجل، فوجئنا بمؤتمر عن المرأة يحضره رئيس الجمهورية، ويبدو أنه أراد أن يقول للمرأة إن الاضطهاد والقهر لا يخصانها وحدها، بل هما على عموم المصريين «رجالًا ونساءً»، ما داموا من خارج الجماعة ولا يخضعون للسمع والطاعة كما يجب!! ولهذا جاء خطاب الأخ الرئيس تهديدًا للمعارضين ووعيدًا بقطع الأصابع التى تلعب، وسجن بعض المصريين من أجل أن تستمر المسيرة التى ترفع شعار «الفاشية للجميع»!! وفهم الناس الرسالة، خصوصًا حين ظهر أن الهدف هو إنشاء تنظيم آخر للمرأة «الصالحة»!! بديلًا عن المجلس القومى للمرأة الذى تقوده السفيرة ميرفت التلاوى، والذى يرفع راية المقاومة ضد اضهاد المرأة وقهرها، وضد الفهم المتخلف لرسالة الإسلام التى كرّمت المرأة ولم تجعلها «مطية للرجل» كما يرى فقهاء المراحيض الذين لا يفقهون شيئًا عن حقيقة الإسلام، والذين أساؤوا إلى الدين، والأخلاق، والمرأة، وإلى الرجولة الحقّة، فلم يجدوا فى النهاية إلا أن يصرخوا «هاتولى راجل»!!
وكما لم ينخدع أحد فى الداخل بهذا الاهتمام المزيف الذى يرفع شعار حماية المرأة لكى يغتال حقوقها، كان العالم كله يرقب المشهد ولا أحد يصدق أن هذه هى مصر بكل تاريخها وحضارتها، وبعد ثورة كانت المرأة فى قلبها «المرأة وليس جنود الأمن المركزى كما اكتشف مؤخرًا الأخ الرئيس مرسى!!».
ولم تكن المرأة المصرية وحدها فى مواجهة هذا الانحطاط.. كان معها رجال مصر كلهم، وكان معها أيضًا العالم كله الذى يعرف ماذا قدمت مصر «رجالًا ونساءً» للحضارة الإنسانية على مدى العصور. ووقفت المنظمات العالمية تعلن تقديرها لنضال المرأة المصرية فى وجه هذه الهجمة المتخلفة، وهذا الفكر الذى يحن إلى عصور الجوارى والغلمان، والذى يرى أن عنوان الحضارة الإنسانية هذه الأيام هو فى كهوف أفغانستان.. حيث منع تعليم البنات وتم إغلاق المدارس، وحيث الدولة الوحيدة فى العالم التى تسبقنا فى جرائم التحرش والاغتصاب!!
بالأمس انضمَّت أمريكا الرسمية إلى أوروبا والعالم فى إدانة هذا الانحطاط الذى يمارس ضد المرأة المصرية، وكانت هناك تصريحات مهمة من المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية، أكد فيها أن الولايات المتحدة الأمريكية «الحليف الأساسى والداعم الرئيسى لحكم الإخوان» تندد بهذه الاعتداءات التى تقع على نساء مصر، وهن يشاركن فى مظاهرات الاحتجاج ضد النظام القمعى، وأكد أن الحكومة المصرية مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات لمنع العنف الجنسى ضد المتظاهرات، ومحاكمة المتورطين فى هذه الأعمال الشائنة.
وأضاف المتحدث الذى كان يلقى بيانه من الطائرة الرئاسية التى يستقلها الرئيس الأمريكى أوباما: إنه لأمر مقزز أن تلقى الحكومة اللوم على الضحايا بدلًا من مواجهة الجريمة!!
ولا شك أن الأخ الرئيس مرسى فى موقف لا يحسد عليه.. فهو لا يستطيع أن ينظر إلى هذه التصريحات باعتبارها نوعًا من «عبث الأصابع» الذى يشكو منه أخيرًا!!
ولا يستطيع أن يقترب من إصبع «الكفيل الأمريكى» الذى يتوسل رضاه ويعرف أنه الوحيد الذى ما زال يساند حكمه حتى الآن!!
وفى نفس الوقت، فإن الأخ الرئيس سيبقى سجين أفكار الجماعة والحلفاء والأهل والعشيرة، ونظرتهم المتخلفة للمرأة، وهوسِهم المريض بالعودة إلى عصور الجوارى والغلمان.
لكن الشىء الوحيد الذى ينبغى أن يكون واضحًا للأخ الرئيس ومَن بقى من مؤيديه، أن المرأة المصرية لن تنهزم أو تستسلم، وأن القاهرة لن تتحول إلى قندهار، وأن ميراث الحضارة المصرية على مدى العصور لن يتراجع أمام ثقافة متخلفة، وأن عصر الجوارى والغلمان لا يمكن أن يعود، وأن مستقبل مصر سوف يحسم على أرض مصر، وبنضال المرأة مع الرجل.. أقصد المرأة حفيدة أوزوريس، والرجل الذى لا يصرخ: هاتولى راجل!!