كان القرد الزعيم يجلس وسط عشيرته من القردة مزهواً بنفسه وبزعامته وبسيطرته على مملكته.. مملكة قرود «جيلدا» المتوحشة.. حيث التنظيم العنقودى الذى يتكون من وحدات عائلية من القردة تنقسم بدورها إلى مجموعات اخرى ثم تنقسم كل مجموعة منها بالتالى إلى مجموعات أخرى وهكذا.. يحكمها ويسيطر عليها جميعها قرد زعيم ذكر تؤول إليه كافة شئون الزعامة بكل ما تشتمله من تظبيط لإناث المملكة ورعاية للقرود الرضيعة ودفاع عنها ضد أى قرود دخلاء.. ولأن السياسة تظل هى السياسة بكل الاعيبها القذرة وحيلها الرخيصة ومؤامراتها المبتذلة حتى فى عالم القرود.. لهذا – شأنه فى ذلك شأن أى زعيم – ينحو قرد «جيلدا» الزعيم فى الدفاع عن منصبه منحى قذر ولا أخلاقى متخذاً من مقولة «أنا ومن بعدى الطوفان» مرجعية له فى صراعه للدفاع عن مكانته ومعتمداً فى ذلك الصدد على ذلك التكنيك الواطى وغير الشريف «تكنيك إن شالله تولع» فى صراعه للإحتفاظ بمنصبه..
يظهر الغزاة من على البعد.. فيشرئب القرد الزعيم.. ويتأهب للزود عن زعامته مقرراً أن الهجوم خير وسيلة للدفاع.. ينطلق تجاههم فى قوة وبأس سوف تحترموه عليهما كثيراً فى البداية إلا أن ما سيفعله لاحقاً سوف يجعلكم تغيرون رأيكم بخصوص إحترامكم هذا لشجاعته.. فبعد أن يبادر بالهجوم يكتشف أن القردة الغزاة أقوى وأصغر وأكثر شباباً وعدداً.. عندها ينفش شعره الكثيف ثم يقلب شفتيه لأعلى قبل أن يتسلق شجرة عالية بجواره ويجلس بين أغصانها فى جُبن منتظراً رحيل المغيرين.. إلا أنهم لا يرحلون كما أنهم ايضاً لا يتسلقون الشجره لإنزاله.. هم فقط يتلذذون بحصاره فى الأعلى.. يصل القرد الزعيم إلى نتيجة مفادها أنه كده كده حينزل وأنه لا داعى لإفساد صورته أكثر من ذلك.. لهذا.. يهبط من الشجرة بسرعة.. قبل أن ينطلق هارباً ومبتعداً عن القردة المغيرين.. ليختفى قليلاً ثم يعود بعدها إلى مملكته وكأن شيئاً لم يكن.. وعلى الرغم من تمام علمه بأن عودته لا تعنى حل المشكلة كما أنها أيضاً لن تعيد هيبته الضائعة له أمام إناث عشيرته.. إلا أنه يعود.. بمنتهى النطاعة والبجاحة والجلافة يعود..
ما لا نعلمه أنه الآن بصدد تطبيق التقنية الأقذر على وجه الأرض التى يمكن لزعيم أى عشيرة فى المملكة الحيوانية أو الإنسانية تطبيقها للدفاع عن منصبه.. فبعد أن فقد القرد الزعيم كل شيء لم يعد هناك ما يمكنه أن يردعه فى صراعه اللا أخلاقى للزود عن زعامته.. لهذا.. ينطلق للمرة الثانية تجاه المهاجمين إلا أنه فى تلك المرة يختطف قرداً رضيعاً من بين الإناث يحمله على ظهره وينطلق به إلى أرض المعركة.. تنطلق الإناث فى إثره لإستعادة القرد الرضيع منه وإبعاده عن خطر المعركة.. إنها تقنية حربية واطية أى نعم إلا أنها طريقة القرد الزعيم الوحيدة لجعل إناث المملكة يخوضون الصراع معه ضد المغيرين.. وهى التقنية التى سوف يدفه ثمنها غالياً فيما بعد..
يبدأ الصراع الشرس بين القرد الزعيم والقرود المتوحشة المغيرة ويدفع القرد الرضيع أول أثمان تلك المعركة التى ضحى به فيها القرد الزعيم من أجل إستمراره فى زعامته.. بعد أن يموت القرد الرضيع يكتشف القرد الزعيم خطأ تقديره لأبعاد الموقف.. حيث لا تنضم الإناث للمعركة معه.. وإنما تنتظر على مقربة حتى ينهزم ويعود إليهم للمرة الثانية مثخناً بجراح هزيمته النكراء جارراً خلفه أذيال الخيبة والذل والعار.. ليبدأ انتقامهن الخاص منه عقب تضحيته بأحد أبنائه فى سبيل جر عشيرته معه إلى حربه الخاصة التى لا تعنيهم فى شيء.. يفقد القرد الزعيم ما تبقى له من هيبة ومن كرامة على يد إناثه حتى يعلن فى النهاية إستسلامه الكامل وإنسحابه من منصبه.. يفرض الذكر المسيطر الجديد سطوته على العشيرة.. ولا يفوته فى ذلك الصدد الإجهاز على التنتوفة المتبقية من كرامة خصمه حيث يسمح له بالبقاء فى المملكة ولكن فقط كجليس للأطفال.. يفليهم ويعتنى بهم وينظفهم..
و تستمر الحياه بدون أن يعلم أى قرد من هؤلاء القردة الذين يملأون المشهد أمامنا أن المسألة ليست سوى مسألة وقت لتعيد المأساة نفسها من جديد.. وليدفع أبرياء جدد ثمن إستموات زعيمهم الجديد على منصبه.. وهكذا..
شكراً للسماء على إعطائنا كل تلك الدراما.. وشكراً لقناة ناشيونال جيوجرافيك على إعطائنا كل ذلك الفن المتمثل فى أفلامها عن الحياة البرية.. تلك الحياة التى لم تعد تبتعد عن حياتنا نحن البشر كثيراً!