عندما صدرت أحكام القضاء المصرى فى قضية مذبحة استاد بورسعيد، وبدأ أهالى المتهمين فى الاحتجاج على الأحكام بطريقة عنيفة أدّت إلى وقوع ضحايا جدد أكبر ممن تمت إحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتى، وجّه الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية كلمة إلى المصريين عامة وأهل بورسعيد، شدَّد فيها على ضرورة احترام أحكام القضاء وكرّر أكثر من مرة أن القضاء المصرى غير مسيّس وأنه يطبّق القانون، ولا بد من احترام أحكام القضاء. وخرج علينا رجال الجماعة فى وسائل الإعلام المختلفة للدفاع عن أحكام القضاء وتأكيد ضرورة احترام أحكام القضاء المصرى، وأننا نبنى دولة القانون التى تنهض على احترام أحكام القضاء. وقد بذل الدكتور مرسى وقيادة الجماعة جهودًا ضخمة لتثبيت مبدأ احترام أحكام القضاء، ونفى التسييس عن جهاز القضاء المصرى، ومرجع ذلك أن الدكتور مرسى والجماعة يتحمّلون مسؤولية إهانة القضاء المصرى واتهامه بالتسييس، فقد سبق للدكتور مرسى أن وجّه الاتهامات إلى القضاء المصرى بأنه مسيّس وأنه يعمل على تعطيل عملية بناء مؤسسات الدولة، وأن المحكمة الدستورية العليا تعمّدت تعطيل مسيرة بناء مؤسسات واستكمال الهياكل عندما قضت ببطلان بعض مواد قانون الانتخابات، ومن ثَم قضت بحل مجلس الشعب، وكانت فى طريقها لحل «الشوى» والجمعية التأسيسية، وهنا أصدرت الجماعة أوامرها لقواها ومن الجماعات الشقيقة من تيار الإسلام السياسى بحصار المحكمة الدستورية العليا ومنعها من مواصلة نظر قضيَّتَى «الشورى» و«التأسيسية»، وقد شن الدكتور مرسى شخصيًّا حملة قاسية على أعضاء المحكمة الدستورية العليا، واتهم بعضهم بالتآمر عليه، وأهان الدكتور مرسى المحكمة الدستورية، فهان القضاء المصرى كله فى عيون بسطاء المصريين الذين بدؤوا فى الاحتجاج على أحكام المحاكم المصرية بشكل عنيف، وشهدنا ظواهر من قبيل الاعتداء على منصة القضاء من الأهالى فى حال صدور أحكام لا ترضيهم أو على غير توقعهم أو رغبتهم، وأهان الدكتور مرسى القضاء المصرى، وكال له الاتهامات، فشجَّع بذلك بسطاء المصريين على التطاول على القضاة وتوجيه الاتهامات لهم. وجاء قرار الدكتور محمد مرسى بإقالة النائب العام وتعيين آخر محلّه، فى مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات وتجاوز القانون، جاء ذلك ليهدم مزيدًا من هيبة القضاء المصرى وسمعته، فقد جاء بنائب عام «خاص» للجماعة لا يطبّق القانون بقدر ما ينفّذ ما يرد إليه من مكتب الإرشاد، عشرات الجرائم ارتُكبت من قبل عناصر تنتمى إلى الجماعة وتيار الإسلام السياسى، والنائب العام «الخاص» لا يرى لا يسمع ولا يتكلم، ونجد النائب العام يتحرّك بسرعة ويصدر أوامر ضبط وإحضار بحق رموز سياسية وإعلامية وشبابية يوجّه إليها اتهامات من قبيل الإساءة إلى الإسلام، والتحريض على العنف، وإهانة رئيس الجمهورية، بل إنه أصدر أوامر ضبط وإحضار لنشطاء سياسيين دون أن تتوافر لديه أدلة الاتهام وكم كان المشهد كوميديًّا عندما جرى استدعاء ناشطين ولم توجّه إليهم اتهامات محدّدة واضطر النائب العام أو مَن ينوب عنه إلى صرف مَن تم استدعاؤه مباشرة، لأنه لا توجد تهمة محدّدة تقتضى التحقيق معه مثل حالة علاء عبد الفتاح. ما أقدم عليه نائب عام «الجماعة» هز ما تبقّى من صورة القضاء المصرى وهيبته. جاء حكم محكمة الاستئناف القاضى ببطلان قرار رئيس الجمهورية بإقالة النائب العام السابق الدكتور عبد المجيد محمود، وأيضًا بطلان قرار تعيين نائب «الجماعة» طلعت عبد الله، ليقدّم فرصة نموذجية لرئيس الجمهورية كى يعيد إلى القضاء المصرى هيبته من خلال تنفيذ حكم محكمة الاستئناف بإعادة النائب العام ولو لساعات، ثم تطبيق المادة الخاصة بتعيين النائب العام وفق الدستور الجديد، والتى تقضى بقيام مجلس القضاء الأعلى بترشيح ثلاث شخصيات، يختار الرئيس من بينها، فالمؤكد أنه بإمكان الدكتور مرسى أن يثبت عمليًّا أنه يحترم أحكام القضاء عبر تنفيذ حكم محكمة الاستئناف بشأن النائب العام، ولا يطعن على الحكم حتى لو كان من حقّه فعل ذلك، والأكثر أهمية أن يترك لمجلس القضاء الأعلى حرية اختيار المرشحين الثلاثة الذين يختار الرئيس واحدًا منهم، وأن لا يفرض على المجلس ترشيح شخصيات معينة، فهناك مَن يقول إن مجلس القضاء الأعلى بإمكانه وضع اسم نائب عام «الجماعة» المستشار طلعت عبد الله، ضمن الأسماء الثلاثة ويقوم الدكتور مرسى باختياره وتعيينه مرة ثانية، وهو بذلك يكون قد احترم الدستور، قد يكون ذلك سليمًا من الناحية القانونية، لكنه سيكون مدمرًا من الناحية السياسية، فالقوى السياسية المدنية والنشطاء ورموز العمل السياسى والإعلام يرون فى المستشار طلعت عبد الله، رجل الجماعة وسيفها المسلّط على رقاب المعارضين، ومن ثَم فإن ترشيح مجلس القضاء الأعلى له إذا ما تم، فسوف يكون معروفًا أنه تم بضغوط رئاسية، وإذا اختاره مرسى مرة ثانية فسوف يكون الاختيار بمثابة رسالة جديدة فى إهانة مؤسسة القضاء المصرى.
أحكام القضاء
مقالات -
نشر:
2/4/2013 3:43 ص
–
تحديث
2/4/2013 8:48 ص