سألنى الكاتب الصحفى والإعلامى عمرو خفاجى فى برنامجه «تلت التلاتة» عبر قناة «أون تى فى» عن التوافق بين عبد الحليم وعبد الوهاب، بينما على المقابل كان الصراع على أشُده بين أم كلثوم وعبد الحليم.
أجبتُه: التنافس بين أى قمتين فى كل عصر أمر طبيعى، إنه القاعدة بينما التوافق يظل الاستثناء، فشوقى وحافظ فى الشعر وطه حسين وعباس محمود العقاد فى الأدب، الأقطاب عادة تتنافر.
إلا أنه تاريخيا مع بزوغ نجم عبد الحليم فى منتصف الخمسينيات كان عبد الوهاب قد بدأ اعتزال الغناء فى الحفلات التى هى الملعب الحقيقى للتنافس بين القمم الغنائية. عبد الحليم أصبح هو مشروع عبد الوهاب، كما أن تاريخ عبد الوهاب صار ملكا لعبد الحليم من خلال الشراكة التى جمعت بينهما فى مشروع «صوت الفن»، هما الاثنان أصحابها، وبالتالى كل الأفلام والأغنيات التى يقدمها عبد الحليم يقاسمه فى أرباحها عبد الوهاب، بينما ألحان عبد الوهاب حتى للآخرين يشاركه فى مردودها التجارى حليم. إنها صفقة تجارية مهما حاول البعض أن يضفى عليها أبعادا أخرى، بينما كان الأمر بين أم كلثوم وعبد الحليم يسفر عن صراع لا يعرف هوادة.
كل منهما كان الصوت الأقرب إلى للنظام والشعب، أم كلثوم لم تغادر الساحة الغنائية وظلت تشكل رقما فى التوزيع والاقتراب الجماهيرى لا يمكن لعبد الحليم أن يتخطاه إلا أن هذا لم يمنعه من التطلع إلى القمة.
ورغم ذلك فإننا مع مرور الزمن ندرك أن الاثنين كان وجودهما يحقق سندا للآخر، الإبداع الفنى يشع على الآخرين والتنافس يلعب دروه فى الصراع على الأجمل.
قبل يومين استمعت إلى أغنيتين متتاليتين على محطة الأغانى، الأولى «الفوازير» المعروفة باسم «قولى ولا تخبيش يا زين إيش تجول العين للعين».. والثانية «أول مرة تحب يا قلبى».. الأولى كتبها بيرم التونسى ولحنها الشيخ زكريا أحمد تقول «قولى ولا تخشاش ملام، حلال القبلة ولّا حرام».. ترد أم كلثوم «القبلة القبلة القبلة.. القبلة إن كانت من ملهوف اللى على ورد الخد يطوف ياخدها بدال الواحدة ألوف ولا يسمع للناس كلام ولا يخشى للناس ملام».. الأغنية الثانية «أول مرة تحب يا قلبى» كتبها إسماعيل الحبروك ولحّنها منير مراد لم أستمع إلى هذا المقطع، لأنه من سوء الحظ يوجد تسجيلات فى الإذاعة،
واحد كامل به هذه الشطرة والثانى تعرضت له يد الرقيب قبل 30 عاما.. المقطع الذى لم أستمع إليه «لسه شفايفى شايلة سلامك شايلة أمارة حبك ليا».. لو أننا طبقنا معيارا أخلاقيا مباشرا على أغنية أم كلثوم سوف تجد أن أم كلثوم تتحدث عن آلاف من القبلات، بينما عبد الحليم لم يتجاوز ما غنى له سوى عدد محدود جدا من القبلات، ولو أننا قررنا أن نبحث عن التصريح المباشر بالقُبَل سنلاحظ أن عبد الحليم حافظ كان يغنى للقُبلة بإيحاء وعلى استحياء، بينما أم كلثوم فتَحتها على البحرى، ياخدها بدال الواحدة ألوف، ولم تشترط سوى أن يكون ملهوفا فقط وبعدها مسموحا له بجحيم من القبل. هناك نوع من الكسل لدى القائمين على الإذاعة المصرية..
فلقد تم قبل نحو 30 عاما حذف بعض مقاطع من أغنيات عاطفية، وبعد المونتاج يسمح بإذاعتها، وظلت فى الإذاعة الشرائط الأصلية داخل الأرشيف، وبعد ذلك سقط القرار بالتقادم وسمح بتداول هذه الأغانى كاملة وبثها عبر أثير الإذاعة، ولكن ظلت الأشرطة التى تم إجراء الحذف عليها متوفرة. وأغلب المسؤولين فى الهندسة الإذاعية لا دراية لديهم بذلك.. المطلوب من رئيس الإذاعة أن يتدخل فورا ويعدم هذه الأشرطة المحذوفة، لأنها تعبر عن ضيق أفق انتاب الإعلام المصرى.
فى لحظة زمنية فارقة كان البعض يحاول فيها أن يضع الفن وتحديدا الأغانى تحت مقصلة المحاكمات الأخلاقية وأقيمت محاكم التفتيش على طريقة «اضرب المربوط يخاف السايب» والغريب فى الأمر أن هذا القرار العشوائى صدر فى توقيت لم تكن مؤسسة الرئاسة يتحكم فى قراراتها مكتب إرشاد ولا مجموعة ترتدى زى هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».
ما بين أم كلثوم وعبد الحليم من صراع فى الحياة التى كان «لونها بمبى» أراه الآن سرًّا للنجاح، إنه الجرأة الفنية التى نتوق إليها كثيرا فى هذه الأيام التى يريدون أن يحيلوها إلى كُحلى!!