كما توقعنا، جاءت حيثيات الحكم التاريخى فى قضية النائب العام لتتجاوز بطلان تعيين النائب الملاكى، وتعيد للمستشار عبد المجيد محمود حقه فى العودة إلى منصبه.
ففى أسباب الحكم ما يهدم كل الأسس الدستورية والقانونية التى يستند إليها النظام الحالى الذى تتآكل شرعيته يوما بعد يوم!
تقول المحكمة فى أسباب حكمها إن تعيين النائب الحالى (الملاكى!) جاء فى ظل الإعلان (الاستبدادى) الذى أصدره الأخ الرئيس فى 22 نوفمبر الماضى ليجعل من نفسه حاكما بأمر الله، وليضع قراراته فوق القانون! وقالت المحكمة إن هذا الإعلان لا يرقى إلى مرتبة النصوص الدستورية لأن الشعب لم يُستفتَ عليه، وإن تعيين عبد الله نائبا عاما لا يُعتدّ به، ويمس استقلال القضاء مباشرة، وبالتالى اعتبرت المحكمة تعيين النائب العام (الملاكى) كأن لم يكن! مع اعتبار عودة المستشار عبد المجيد محمود لموقعه أحد الآثار المترتبة على هذا الحكم.
معنى ذلك بوضوح أن أى قرار يصدره النائب الملاكى منذ صدور الحكم هو قرار باطل، وأن الإصرار على إبقائه فى موقعه حتى الفصل فى الطعن على الحكم يعنى فرض حالة من الفوضى القانونية، بخاصة مع اتجاه أعضاء النيابة إلى عدم التعاون معه، وأيضا مع الرفض العام للمثول أمام جهات التحقيق بسبب بطلان وجود النائب الملاكى فى موقعه، وبسبب القرارات التى يصدرها.. أو التى يُفرَض عليه إصدارها ضد قوى المعارضة الوطنية، ولخدمة الحكم الفاشى! لكن الأخطر -كما قلنا من قبل- أن أسباب هذا الحكم التاريخى تتجاوز قضية النائب العام إلى ما هو أخطر.. تقول المحكمة عن قرار الأخ رئيس الجمهورية الذى وُصف بأنه إعلان دستورى والصادر فى 22 نوفمبر الماضى إنه «لا يرقى إلى المرتبة المقررة للنصوص الدستورية»، وتشير إلى بطلان انفراد السلطة التنفيذية بإصدار هذا الإعلان، وتنفيذه بشكل مباشر وفورى مع تحصينه! ثم تشير المحكمة إلى نقطة غاية فى الأهمية، حين ترد على الادعاء بأن الدستور الجديد، إن كان قد ألغى الإعلانات الدستورية السابقة، فإنه قد أبقى على الآثار القانونية الناتجة عنها، ومنها تعيين النائب «الملاكى» وعزل النائب العام الشرعى.
تقول المحكمة إن النص بالدستور الجديد على الإبقاء على الآثار الناشئة عن الإعلانات الدستورية السابق صدورها والتى أُلغِيَت بموجب الدستور «سينسحب فقط على تلك الآثار التى صادفت صحيح الدستور والقانون، ولم تنلها ثمة طعون قضائية يقضى فيها لعوار دستورى شابها، أو لبطلان قانونى لحق بها وقت صدورها».
وهنا تثور الأسئلة الهامة:
> ألا يشمل هذا المبدأ الهامّ الوارد فى هذا الحكم التاريخى الموقف من مجلس الشورى؟ لقد كان أحد الأسباب الهامة لصدور الإعلان الاستبدادى هو حماية هذا المجلس من حكم قضائى على وشك الصدور ببطلان القانون الذى تم انتخابه على أساسه، وهو نفس القانون الذى أدى بطلانه إلى حل مجلس الشعب!
وحين جاء الدستور الجديد حاول تحصين وجود هذا المجلس الباطل الذى تَحوَّل بقدرة قادر إلى مجلس تشريعى، وذلك بالإبقاء على الآثار القانونية للإعلان الاستبدادى!
وها هو القضاء يقول كلمته فيؤكد أن الآثار القانونية التى يجوز الإبقاء عليها هى فقط التى تتفق مع صحيح الدستور والقانون.. وهو ما يعنى أن وضع مجلس الشورى هو نفسه وضع النائب الملاكى.. باطل فى باطل!
> ونفس الشىء يقع مع لجنة الدستور، التى حاول الإعلان الاستبدادى تحصينها هو يعلم أن القضاء سيحكم حتما ببطلان تشكيلها. وكان الإعلان الاستبدادى فى هذا الشأن نوعًا من البلطجة باسم القانون، ترافقت مع البلطجة الخارجة على القانون والتى حاصرت المحكمة الدستورية لتمنعها من حل لجنة الدستور التى واصلت عملها فى اختطاف الدستور الباطل!
ما الوضع الآن بعد أن قال القضاء كلمته، وأكّد عدم مشروعية تحصين وضع غير قانونى؟! ماذا سنفعل مع دستور قام على أساس باطل، وبإعلان استبدادى لا يمكن الإبقاء على آثاره -كما قالت المحكمة- إلا إذا توافقت مع القواعد الصحيحة للدستور والقانون؟! ومن الذى يتحمل المسؤولية عن كل تلك الجرائم التى تم فيها العبث بالدستور والقانون لتزوير إدارة الشعب، ولوضع أسس الحكم الفاشى الذى يتهاوى الآن وتنهار كل الركائز التى حاول إقامتها لدولة الاستبداد الجديد؟!
انتهينا من النائب الملاكى.. ماذا عن «الشورى» الباطل، والدستور الأكثر بطلانا؟!