فى حواره التليفزيونى، طلب الأستاذ هيكل من الرئيس مرسى أن يأخذ إجازة، لأنه فى حاجة ماسة إلى الراحة. واستدل الأستاذ هيكل على حالة الرئيس بخطابه الأخير أمام مؤتمر المرأة «والذى أطلق فيه التهديد والوعيد، وتحدّث عن الأصابع التى تعبث.. إلخ»، ثم خطاب الأخ الرئيس فى القمة العربية، الذى لا يليق بمكانة مصر!! أظن أن الأستاذ هيكل قال ما قاله، قبل أن يسمع خطاب الأخ الرئيس مرسى أمام الجالية المصرية فى قطر «أو أنصار الرئيس من المصريين هناك».. ولو سمع الأستاذ هيكل هذا الخطاب لأدرك أن مَن يحتاج إلى الراحة بالفعل هو شعب مصر كله، وأن الأمر أصبح أكبر من القدرة على الاحتمال.
وأن مصر لا تستحق أبدًا هذه «المسخرة» التى يبدو أنها تتصاعد يومًا بعد يوم، وتخرج من نطاق «المناكفة» المحلية، إلى مجال الفضيحة الخارجية!!
ذهب الرئيس ليطمئن المصريين فى الغربة على أحوال بلادهم، وأنا لا أعرف كيف سيطمئن مواطن فى الداخل أو الخارج على أحوال بلاده وهو يسمع رئيسها يحدّثه عن «الحمامة» التى تزج من جراب الحاوى، والثعبان الذى يختبئ فى الجراب (!!) أو عندما تكون المعارضة فى نظره مجرد عشر أو خمس عشرة فردة كاوتش يتم حرقها وتصويرها فى التليفزيون (!!) أو عندما يطرح السؤال المصيرى الذى يظهر فيه تأثير الدكتوراه الباكستانية فى الفلسفة، فتصبح عقدة الموقف لديه هى:
لومات القرد.. القرداتى يشتغل إيه؟! ثم ينهى اللقاء بالانتقال من حديث الأصابع إلى حديث الركبة، فيرتفع صوته بالدعاء «وقعة فى ركبكم كلكم»!!
هل تصلح «الإجازة» للتعامل مع هذه الحالة؟ نرجو ذلك، ونستبعده (!!) ونخشى من العواقب، خصوصًا حين يكون جيش المساعدين والمستشارين الذين أطاحوا بالرجل لا يمثّلون عونًا، ولا يحملون رؤية، ولا يملكون خبرة.. وإنما هم عبء ثقيل، لم ينجحوا فى شىء إلا فى مضاعفة الفشل. ولا يجاريهم فى ذلك إلا «خبراء» الجماعة الذين لا يحملون أى خبرة فى شؤون الدولة، والذين تنحصر تجربتهم فى العمل السرى، وتتوجّه طموحاتهم إلى إعادة مصر إلى القرون الوسطى، حيث كان المصريون ينعمون بأزهى عصور الاستعباد العثمانى، ويسعدون بالفقر والجهل والاستبداد.. مع تنويعات من خوازيق السلطان!!
لو كان بين المستشارين والمساعدين واحد فقط يملك أى علم بالاقتصاد.. فهل كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تدهور يصل بنا إلى حافة الكارثة، ويحيل الحكومة إلى «دكان شحاتة» حيث لا عمل لها إلا طلب القروض وتسوّل الإعانات، والاستعداد لرهن أصول مصر أو بيعها؟!
ولو كان بين المستشارين والمساعدين واحد فقط يفهم فى السياسة.. فهل كان من الممكن أن يصل التخبّط إلى هذا الوضع الذى يفتح أبواب الاحتراب الأهلى، بينما الحكومة عاجزة، والأمن غائب، والسياسة لا مكان لها، والحوار مقطوع، والأخ الرئيس يكتفى بالتهديد والوعيد والحديث عن الأصابع التى تلعب، والمؤامرات التى لا يتم الكشف أبدًا عن أطرافها، ربما لأنها غير موجودة.. الأطراف والمؤامرات!!
ولو كان بين الرجال المحيطين بالرئيس فى الاتحادية أو المقطم واحد فقط قرأ شيئًا فى القانون، فهل كان من الممكن أن تتحوّل عملية التشريع وإصدار القوانين إلى فضيحة دائمة؟! وهل كان من المكن أن لا نرى قانونًا واحدًا لم يتم التراجع عنه، أو الحكم ببطلانه؟!
وهل كان من الممكن أن يصدر الأخ الرئيس إعلانه الاستبدادى الذى أدخل البلاد فى هذه الأزمة الطاحنة، والذى حوّل الرئيس المنتخب إلى مشروع حاكم فاشى، والذى أسقط دولة القانون وهيبة القضاء؟!
فى هذا الوضع البائس.. هل يحتاج الأخ الرئيس إلى إجازة، أم يحتاج إلى معجزة تخرجه من هذا النطاق الضيّق الذى وضع نفسه فيه، وتخرج به إلى الفضاء السياسى الواسع، حيث تحتاج مصر إلى جهود كل أبنائها، لكى تخرج من أزمتها؟! هل يحتاج الأخ الرئيس إلى إجازة، أم إلى معجزة تجعله يدرك أن «تمكين» جماعته هو المستحيل، وأن تغيير هوية مصر مشروع ساقط، وأن مصر أكبر من هذا «التخبّط» الذى يحكمها، وأن مستقبلها لا يمكن أن يُبنى بهذا الهوس الذى يريد سجن مصر فى كهوف التخلف.. بل هو فى يد أبنائها الموهوبين القادرين على بناء مصر التى يحلمون بها.. بالعلم والعمل والوطنية الصادقة.
لا يحتاج الأخ الرئيس إلى إجازة، بل إلى معجزة.. ولا أظن أننا فى زمن المعجزات!!