مات عبد الحليم حافظ وعمره سبعة وأربعون عاما، تخيلوا.. يعنى مات وهو أقل فى السن والعمر من مطربين ما زلنا نَصِفُهم بالمطربين الشبان رغم تجاوزهم الخمسين.
مات عبد الحليم فى سن تبدو صغيرة جدا على هذا الخلود الرائع الذى يحيا به حتى الآن، فالمجد الذى بناه عبد الحليم حافظ (أحب استخدام اسمه هكذا، لا حليم، الحقيقة أن الرجل تنقل من الزقازيق حيث وُلد إلى الزمالك حيث سكن، وقد عاش هذا اليتيم عبد الحليم، أكثر منه حليم) المجد كله على بعضه تم فى ثلاثة وعشرين عاما فقط من عام أربعة وخمسين إلى سنة سبع وسبعين، فإذا عرفنا أن هناك من مطربينا وممثلينا من يحتفلون الآن بمرور ثلاثين عاما على بداياتهم، تعرف كيف أن عبد الحليم معجزة حقيقية فى التأثير والبقاء.
لكن مشكلتى مع ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ، حيث تهل وتطل كل عام، هى أنها تذكرنى بأول قرار منع برنامج لى، أول برنامج إذاعى يتم وقفه لى قَسْرًا وغَصْبًا ومصادرة.
كنت يومها فى أولى إعدادى، حيث مر عام على وفاة العندليب الأسمر وكنا نشعر -وما زلنا بهذا الإحساس- بفقد عزيز وغالٍ، وكنت محرر ومقدم برنامج «أخبار الصباح» فى إذاعة مدرسة المساعى المشكورة الإعدادية بقويسنا، ويبدو أن البرنامج كان ناجحا وجماهيريا للغاية إلى حد أن زملائى كانوا يتوددون إليَّ للإشادة بأدائهم فى مباريات دورى كرة القدم بالمدرسة، حيث كانت فقرة التعليق الرياضى مصيرية فى مستقبلهم الكروى. المهم قررت حبًّا فى عبد الحليم حافظ أن أقول فى نهاية البرنامج فى أثناء الطابور ومع خاتمة برنامج «أخبار الصباح» الجملة التالية: تمر اليوم الذكرى الأولى لوفاة الفنان العظيم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
بس يا سيدى، قلتها بمنتهى الشجن المتحمس، وبمجرد ما انتهى الطابور نادانى الأستاذ مندوه مشرف الإذاعة: إبراهيم تعالَ هنا.. عندليب أسمر فى طابور المدرسة يا إبراهيم.. طيب اتفضل على الفصل مافيش إذاعة مدرسية ليك تانى!
على كثرة ما توقف لى من برامج، وعلى قدر ما منعوا لى من برامج تليفزيونية وفضائية، ورغم عودتى إلى الإذاعة المدرسية بعدها بأيام، فإننى ما زلت أحتفظ بأَسَى هذا الصباح، كأن جرحى فيه يبدو أنه لن يلتئم أبدًا.