فى جلسة خاصة جمعتنى بالمخرج الجزائرى المعروف أحمد راشدى فى إحدى ليالى مهرجان «وهران» قبل خمس سنوات حكى لى تفاصيل الليلة الأخيرة فى حياة عبد الحليم حافظ ليلة 29 مارس حيث مات عبد الحليم صباح اليوم التالى مباشرة عام 1977 لم يشأ أحمد راشدى من قبل أن يروى للإعلام أو للصحافة عن تلك الليلة، فلقد ارتبط راشدى بعبد الحليم فى مطلع عام 70 وذلك بعد أن وقع اختيار عبد الحليم عليه لإخراج قصة «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين.. كان مصطفى يكتب هذه القصة وهو لا يزال قيد الاعتقال، وكان حلقة الوصل بين عبد الحليم ومصطفى أمين الكاتب اللبنانى سعيد فريحة الذى كان يزوره فى السجن بحكم اقترابه من رجال الحكم فى مصر فى تلك السنوات ويحصل منه على القصة مكتوبة ورقة بعد ورقة -على الوجهين- وهذه الأوراق طبقا لما قاله لى راشدى لا تزال بخط يد مصطفى أمين فى بيت راشدى بالجزائر!!
كتب سيناريو وحوار الفيلم حسن فؤاد والذى سبق له أن كتب سيناريو وحوار «الأرض» المأخوذ عن رواية عبد الرحمن الشرقاوى إخراج يوسف شاهين، ولأول مرة كانت رغبة عبد الحليم أن يمثل فقط، بينما أغنياته يستمع هو إليها -خارج الكادر- وكأنها تعلق على الأحداث وتمت كتابة السيناريو طبقا لرؤية حليم.
فى الليلة الأخيرة خرج عبد الحليم حافظ من المستشفى بلندن والتقى فى أحد الفنادق مع راشدى الذى جاء من باريس إلى لندن تلبية لدعوته، حيث كان عبد الحليم -على حد قوله- فى صحة جيدة لا يعانى إلا من جلطة فى الساق وكان الاتفاق بينهما أن يبدأ التصوير مباشرة بعد حفل شم النسيم حيث أعدّ عبد الحليم لتلك المناسبة لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب «من غير ليه».. واتفق عبد الحليم مع راشدى على أنه قبل أن يعود إلى القاهرة سوف يقضى معه أسبوعا فى باريس ليلقى حليم نظرة على السيناريو.. كان عبد الحليم مقبلا على الحياة وطلب من راشدى أن يشترى له عربة «ستروين» صغيرة مقابل 3 آلاف دولار كما كانت لديه ساعة يد ذهبية أهداها إليه أحد الأمراء وكان رباطها الذهبى أكبر من أن يضبط على معصم يد عبد الحليم لهذا طلب من راشدى أن يتولى مهمة تصغير الرباط وعاد راشدى فى تلك الليلة إلى باريس سعيدا باقتراب اللقاء الفنى مع عبد الحليم، فى الصباح جاءه الخبر الحزين وعلى الفور ذهب إلى القاهرة وأخبر العائلة بتفاصيل الثلاثة آلاف دولار والساعة الذهبية.. الكل اعتبر نفسه صاحب الحق الوحيد فى الاستحواذ على كل شىء يخص عبد الحليم، حتى إن مجدى العمروسى قال له إن لديه وصية بخط يد عبد الحليم يفوضه فيها بالحصول على كل شىء يخصه بعد رحيله.. لكن مجدى لم يظهر هذه الوصية أبدا رغم أنه عاش قرابة ربع قرن بعد رحيل العندليب.. أشقاء عبد الحليم وابن خالته شحاتة الكل اتصل به مدعيا أنه فقط صاحب الحق فى الحصول على كل شىء.. ولهذا ترك راشدى الساعة والدولارات فى القاهرة لدى محامى مصرى يتولى هو هذه المهمة؟!
فى تلك الأثناء فكر راشدى فى أن يقدم إلى صديقه عبد الحليم فيلما تسجيليا حيث كان يصحبه دائما فى سنواته الأخيرة فى لندن وباريس والقاهرة ومعه كاميرا سينمائية تسجل لقطات حية لعبد الحليم حافظ كان من المنتظر أن يتضمنها فيلم «لا».. وبدأ راشدى فى الإعداد للفيلم التسجيلى «أغنية الوداع» 90 دقيقة الذى يتناول بعض لمحات من حياة عبد الحليم وأراد أن يحصل على تسجيل صوتى لعبد الوهاب داخل الفيلم!!
كان عبد الوهاب أكثر مباشرة قال له إن التليفزيون الجزائرى سبق أن أجرى معه تسجيلا مقابل 100 ألف دولار.. ولم يزد وفهم بالطبع راشدى أن عبد الوهاب يريد نفس الرقم للحديث عن عبد الحليم وتعطلت بينهما لغة الكلام وعرض الفيلم التسجيلى من دون تسجيل عبد الوهاب؟!
أحمد راشدى قال لى إن فيلم «لا» تتابع على الترشح لبطولته بعد عبد الحليم عزت العلايلى الذى أخرج له بعد ذلك «الطاحونة» ثم عادل إمام، لكن راشدى لم يستطع أن يتخيل أحدا فى «لا» سوى عبد الحليم حافظ.. قلت لراشدى قدم يحيى الفخرانى هذا الدور فى مسلسل تليفزيونى قبل 25 عاما إخراج يحيى العلمى.. قال لى لم أشاهد المسلسل حتى الآن ولكنى لا أرى سوى عبد الحليم حافظ!!