استقر رأى مرسى، أو فى الحقيقة جماعته على أن ما تعيشه مصر من الممكن إنهاؤه فى لحظات بعد أن يتم التخلص من بعض الأصابع، حددها مرسى بثلاثة فقط، وإن كنت أرى أن المستهدف يتجاوز المئة إصبع على أقل تقدير. من يحكمون البلد يعتقدون أن الأمر ينحصر فى عدد من السياسيين والنشطاء والإعلاميين لو استطاعوا إقصاءهم لزهزهت لهم الحياة.
الصورة يراها هؤلاء حلوة، بينما هناك إعلام مغرض يتجمع أغلبه داخل مدينة الإنتاج يقدم رؤية أخرى مشوهة يكفى حصاره وترويعه ليعود بعدها الهدوء والسلام والأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن. إنهم يعتقدون أن الشعب لا يرى الشارع، وأن هناك من يسعى لكى يصدِّر إليه عالما افتراضيا مكذوبا.
رغم أن الحقيقة التى نعيشها كلنا تؤكد أنها لم تكن أبدا عالمٌ تخلقه الفضائيات، بل هو الواقع الذى نكتوى جميعا بناره. أنا لا أوافق على جزء مما يقدمه عدد من الإعلاميين وعندما يتحدث بعضهم أجد نفسى، لا شعوريا، أتذكر كيف كان جزءا من لعبة التوريث، وكانت جريدته ومقالاته هى الغطاء الشرعى لفساد مبارك، كما أن البعض يلعب على طريقة الشو الإعلامى أعجبتهم الشغلانة وقرروا أن يحيلوها إلى استعراض «وان مان شو» يسعى لقراءة الشارع ويزايد عليه، ورغم ذلك فإن خطأ أسلوب بعض الإعلاميين لا يعنى أنهم يزيفون الواقع.
مؤسسة الرئاسة فى أعلى الهرم ليست عادلة تخوض معركة حياة أو موت، ولهذا تتشبث بالكرسى، لا يعنيهم موت الوطن بقدر ما يسعون إلى الحفاظ على الكرسى، فالتعليمات التى أصدرها المرشد هى أن ساعة الصفر قد حانت وعليهم أن يطيحوا بالمعارضة.
العائق الذى لم يدركوه هو أن معدلات الغضب من الجماعة تتزايد فى الشارع، وفى نفس الوقت تتآكل شرعية الحكم مهما حاولوا تقديم صورة زائفة عن قوة القبضة الحديدية وسيطرتها على مقاليد الدولة، هم ليس لديهم غطاء شرعى شعبى يتيح لهم اتخاذ أى قرار مصيرى، مثل حصار واستدعاء عدد من الرموز من أجل إرهابهم، أو إقامة دعوى قضائية لسحب نوبل من البرادعى، أو تلفيق قضايا للمعارضين. إنها نفس آليات دولة الفساد، وهى أن يُمسك النظام الحاكم ببعض الأخطاء وتخرج الأوراق فى وجه أى صاحب قناة أو جريدة معارضة، ولسان حالهم يقول «التزم وإلا». إنها أساليب العصابات عندما تصل إلى السلطة. المفروض أن الحاكم لا يدافع عن بقائه، ولكن عن حياة وبقاء الشعب، ومرسى وجماعته يبددون كل ما لديهم فى الحفاظ على مصالحهم وبقائهم على سدة الدولة.
لا يعنيهم فى كثير أو قليل أن الدولة من الممكن أن تنهار، طالما أن الحكم سيظل فى أياديهم يعتقدون أن المعركة لصالحهم، طالما أن الداخلية تتحرك وفقا لإرادتهم والخطة هى العثور على الملف، وإذا لم يجدو شيئا فلديهم سلاح الشائعات. وليس صحيحا بالمناسبة أن عددا من رجال الإعلام الحاليين يقفون بعيدا عن الهيمنة، تاريخهم مع مبارك يؤكد أنهم كانوا يحصلون على ثمن الولاء الفارق أن قبضة مبارك كانت تُمسك بكل مفاصل الدولة وكل المفاتيح لديه. مرسى يبدو أضعف بكثير من مبارك، حتى فى أيامه الأخيرة، وليس من المستبعد أن يتم تغييره من الجماعة قبل أن تجبره الجماهير الغاضبة على التنحى، مكتب المرشد سيبحث عن رجل قوى يحميه ويحقق أجندته فى التمكين. ما يملكه مرسى هو التهديد بين الحين والآخر باتخاذ موقف متصلب.
من المؤكد أن تجربة حظر التجول فى مدن القناة والتحدى السافر لقراره من الممكن أن تتكرر وتتحول إلى نكتة مرة أخرى بعد أن تنزل كلمته الأرض ويعيد إلينا سيرة عبد الفتاح القصرى.
الجماعة مشغولة بالتمكين، وتعلم أن القادم بالنسبة إليها لو تخلَّوْا عن الكرسى هو الملاحقة القانونية، بينما لا أمل لنا جميعا للنجاة سوى أن نصل إلى قناعة بأن هناك فى مصر قوى إسلامية لا تتجاوز من 15 إلى 20%، ومن حقها أن تمارس حياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بل والطقسية، كما يحلو لها ولكنها لا تفرضها على المصريين. ندافع عن حقهم فى إنتاج أفلامهم وجرائدهم وامتلاك قنوات فضائية للتعبير عنهم، ولكن يجب أن يبتعدوا عن صدارة المشهد.. مصر تعيش فى العتمة إلا أن هناك بصيصا من نور أراه على البُعد، فهل تراه معى؟!