فى زيارة قريبة لى لمدينة الجزائر العاصمة طالعت بعضاً من شوارعها وميادينها خاصة القديمة منها والقريبة من حى «القصبة» العريق، حيث كان موطن المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسى. مازالت المدينة تحمل فى تراثها المعمارى الطابعين العربى «الأقرب إلـى الأندلسى» والفرنسى، حيث أزال الاستعمار ما يقرب من تسعة آلاف مبنى جزائرى قديم متلاصق ومتدرج فى الارتفاع نحو البحر، وأكسب واجهة المدينة عمداً طابعاً فرنسياً، أما فـى شوارع العاصمة فلم يعد للأزياء التقليدية الجزائرية وزن يذكر، الكثير مـن النساء يرتدين العباءات السوداء الخليجية الطابع التى تنتشر فى شوارع القاهرة،
والحجاب على رؤوس بعـض الفتيات بأشكاله وألوانه المتعددة، ويطل عليك النقاب الأسود من حين لآخر، لكننى توقفت كثيرا لأتابع نساء مازلن يرتدين الزى الشعبى الجزائرى الجميل الفضفاض ذا اللـون الأبيض ويضعن على جانب من وجوههن غطاء أبيض، هو الآخر بعضه من قماش مطرز، قليلات مازلن يرتدين هذا الزى التقليدى الجزائرى الأصيل الذى كنا نطالعه فى الأفلام والصور القديمة، معظمهن من كبار السن، واختفى تماماً بين الفتيات الصغيرات، تسلل الرداء الأسود من الخليج ووصل إلى الجزائر،
تماماً مثلما حدث فى مصر، اختفى زى الفلاحة المصرية المزركش الجميل ذو الألوان المبهجة وحلت محله فى الريف العـباءات السوداء، واختفى منديل الرأس المميز ذو الورود المتناثرة، واختفت الملاية اللف وتوابعها مـن الخلخال الفضى والبرقع ذى الأنف الذهبى، اختفت أزياء النساء الصعيدية والأثـواب الفضفاضة المطرزة لبنات النوبة، فقد الشارع فى الـمدن جانباً كبيراً من تميزه وأصالة أزيائه، وفقد الريف إشراقة وبهجة ألوانه، وزحف الأسود فـى مصر ليغطى معظم أجساد النساء، وحدث ذلك على البعد فى الجزائر.
هذا الأسبوع خرجت بعض الفتيات الجزائريات من حى القصبة يرتدين أزياءهن التقليدية ورفعن لافتة عليها «عاشت الجزائر جزائرية» وحملن دعوة للجزائريات للعودة إلى اللباس التراثى للبلاد، إلى الحايك التقليدى، قلن إن العباءة القاتمة وغطاء الرأس الأسـود جاء من الخليج ولا يمت لتقاليدنا بصلة، كان الشارع يتفرج ويبتسم ويحن إلى الزى الجزائرى الأبيض الأصيل الذى يحمل عبق الزمن وذكريات كفاح الثورة، والجزائريات يؤكدن أن الشوارع ستكتسى من جديد باللون الأبيض. تصورت مصر وتساءلت: هل يمكن أن ترفع فتياتها يوماً نفس اللافتة «عاشت مصر مصرية»؟