كان سرادق العزاء، الذى أقيم بمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية للسياسى الراحل الدكتور محمد يسرى سلامة، مثالاً نادراً للتوافق السياسى الذى كنا نتطلع إليه منذ بداية عهد الرئيس محمد مرسى، الذى عجز الإخوان أو رفضوا تحقيقه.
كان الدكتور محمد يسرى سلامة سلفياً عارفاً دينه حق المعرفة، لكنه كان وطنياً عارفاً أيضاً بطبيعة المجتمع المصرى، مؤمناً بالدولة المدنية المصرية، لذلك انضم إلى حزب الدستور.
فكان مثالاً فريداً يؤكد أن العقيدة الإسلامية السامية ليست نقيضة للديمقراطية وللممارسة السياسية السليمة ولليبرالية التى تسمح بحرية كل التيارات
وفى سرادق عزائه كان يبكيه الإسلامى جنباً إلى جنب مع أعضاء حركة كفاية وشباب التيار الثورى وأعضاء أحزاب الدستور والمصريين الأحرار والوفد وغيرها، بالإضافة لحزب النور، الذى كان الدكتور سلامة متحدثاً رسمياً له فى بداية إنشائه.
وقد نقلت الصحف عن إيهاب القسطاوى، منسق عام حركة «تغيير» بالإسكندرية، قوله: «وجدنا بالإسكندرية توحداً من جميع الخلفيات السياسية والثقافية حول هذا الرجل، مما يؤكد أنه مازال هناك قاسم مشترك يجمع المصريين جميعاً».
ومن الغريب أن المتحدث الإعلامى باسم الإخوان بالإسكندرية، أنس القاضى، أوضح أن الوفد الإخوانى الذى شارك فى عزاء الدكتور سلامة «جاء تعبيراً عن أنه كان شخصاً متوافقاً عليه وطنياً»، وهو ما يدعونا للتساؤل: ألم يثر ذلك خيال الإخوان أو يدفعهم لأن يحذوا حذوه؟ وإذا كان القيادى الإسلامى الراحل محمد يسرى سلامة «شخصاً متوافقاً عليه وطنياً»، فمن من قيادات الإخوان الذين نراهم على المسرح السياسى الآن يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف؟ وقد كانوا هم أولى بأن يحققوا هذا التوافق، باعتبارهم يتولون أمور البلاد ويفترض أن يجمعوا حولهم كل الاتجاهات السياسية، كما فعل محمد يسرى سلامة فى حياته وفى سرادق عزائه.
لقد اختار الإخوان طريقاً آخر يقوم على الاستحواذ واستبعاد كل الاتجاهات السياسية الأخرى، التى هى شريكة فى هذا الوطن، لكنها لم تكن شريكة فى كتابة الدستور، ولا هى شريكة فى الحكومة، ولا فى المساهمة فى إعادة بناء المجتمع، وهو ما أدى إلى تراجع الإخوان على الساحة السياسية وبات حكمهم كالمريض الذى يرفض فى عناده تناول الدواء، ما سيعجل بنهايته وبموعد إقامة سرادق العزاء، وإن كان سيختلف بالضرورة فى المعنى والمغزى عن سرادق الدكتور محمد يسرى سلامة.