بين رغبة فى الكتابة عن محمد يسرى سلامة وبين كراهية باتت تجرى فى الدم تجاه سطور النعى والرثاء، كانت حيرة الواحد، فكم من أيقونة مستقرة فى قلوب كثير من المصريين رحلت خلال العامين الماضيين، بداية من حسام تمام مرورا بجلال عامر وخيرى شلبى وإبراهيم أصلان وعمار الشريعى وأخيرا محمد يسرى سلامة، فصار النعى عملا ثقيلا على القلب وأصبحت سطور الرثاء سخيفة عند الكتابة وعند التلقى.
التجاهل صعب والنعى صعب، معادلة حلتها رسالة وصلتنى من أيمن محفوظ صديق قديم لسلامة يعيش خارج مصر فأراحنى كثيرا من هذه الحيرة..
يقول:
أنا مصرى أعيش فى أمريكا واسمى أيمن محفوظ. صدمنى بشدة خبر وفاة صديقى وزميلى فى المدرسة الابتدائية والإعدادية والثانوية الدكتور محمد يسرى سلامة أمس، كم هى قصيرة ومريرة هذه الحياة. فى زيارتى الأخيره إلى مصر فى ديسمبر الماضى جاءتنى رسالة على «فيسبوك» من صديق محتواها كلمتين: «مقابلة يا باشا». سعدت بأن صديقى رغم مشغولياته ما بين العمل فى مكتبة الإسكندرية ومسؤوليات الأسرة والعمل السياسى الدؤوب طلب أن يقابلنى. حاولت الاتصال به والتنسيق للقاء ولكن لم أنجح لضيق الوقت. قلت لنفسى «أنا لسه شايفه الصيف اللى فات. خلاص، تتعوض، فى الصيف إن شاء الله». الآن يبقى شهران ويأتى الصيف، لكن لن يكون ممكنا أن أقابل صديقى محمد يسرى الذى غادر هذه الدنيا أمس. ليس محمد أول صديق من سنى يغيبه الموت، وربما فقدت فى الماضى من هو أقرب منه، ولكنى لم أبك كما بكيت أمس وما زلت اليوم.
فى العامين الماضيين كنت أحس أن محمد يمثلنى ويمثل الكثير من أصدقائى ومن جيلى على الأرض. كان مثالا لرفضنا للظلم والاستبداد، وكان نموذجا لنبذ الاستقطاب والفرقة (حتى فى جنازته أثبت ذلك). لا أعتقد أنى لو فى مكانه كنت واجهت بطش الداخلية واستبداد العسكر وغيرهم بهذه الشجاعة والإقدام، لكن مواقفه كلها كانت تمثلنى وكلامه كان «يفش غلّى». الآن رحل محمد بأمل لم يتحقق وحلم لم يكتمل. غاب عنا وبقى فى وسطنا ضابط أمن الدولة الذى كان يستدعيه ويحتجزه قبل الثورة من دون وجه حق لمجرد أنه بلحية. رحل عنا وظل وسطنا لواء الجيش الذى هدده فى التليفون بأن يفصح عما دار فى جلسة التخطيط لإحدى المليونيات وإلا «حيقول للشيخ فلان». غاب عنا وظل فينا الشيخ فلان وعلان الذين لا يعرفون من سماحة الدين واحدا على ألف مما كان يطبِّقه محمد يسرى.
أحسست أن أحد «امتداداتى» فى مصر قد بُترت وجزءا آخر من الأمل قد ضاع مع غياب أحد الشرفاء القلائل على الساحة. عزائى الوحيد هو أنى أحتسبك فى الجنة، لو لم يكن لموتك فى مرض فهو لتحملك فى مَحْيَاك من المصائب الشخصية ما لا يطيقه إلا مؤمن، وإن لم يكن لعِلمك فهو لنضالك.